الأحداث، فإنَّ كُلَّ نفسٍ مؤمنةٍ وكافرةٍ تعلمُ علماً يقينياً بالذي جاءت به من الأعمالِ لهذا اليوم؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (١) [آل عمران: ٣٠].
١٥ - ١٦ - قولُه تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾: لمَّا ذكرَ الآياتِ التي تكون في آخرِ هذا العالمِ وفي يوم القيامة، أتبعَهُ بالقَسَمِ على القرآن (٢)، فأقسَمَ ربُّنا (٣) بالنجوم التي تكون مختفيةً قبلَ ظهورِها بالليل، الجاريةِ في فلكِها، والداخلةِ وقتَ غروبها في النهار إذا طلع، كما تدخلُ بقرُ الوحشِ والظباءِ في كِناسِها؛ أي: بيتها (٤).
_________
(١) روي عن عمر بن الخطاب قوله: «إلى هذا جرى الحديث». وجملة: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ جواب «إذا» في المواطن السابقة كلِّها، والتقدير: إذا الشمسُ كوِّرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وإذا النجوم انكدرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وهكذا.
ولا شك أن العلمَ بما عمِلت يتفاوتُ في هذه الأزمان التي تقع فيها هذه الأحداث، غير أنها لما كانت مترابطةً إذا حدثَ الحدثُ الأول تبعته الأحداثُ الأخرى كما تنفرِطُ خرزات السُّبْحة من خيْطِها، جاز الجوابُ عنها بهذا الجوابِ الشاملِ، وإن كان وقوعُ ذلك الجواب وقوعاً عينياً يكون بعد كشفِ الصحفِ وقراءتها، والله أعلم. (انظر: التحرير والتنوير).
(٢) جاءت الفاء لتربط بين المقطعين، والأول يتحدَّث عن البعث ومبادئه، وتقديرُ الربطِ بينهما: أنهم لو كانوا آمنوا بالقرآن الذي جاء القَسَمُ عليه، لصدَّقوا بما هو من أعظم أخباره، وهو البعث، والله أعلم.
(٣) وقع خلافٌ في هذا التركيب «لا أقسم» على أقوال، منها:
١ - أنه نفي للقَسَم، والمعنى أن هذه القضية من الظهور بحيث لا تحتاجُ إلى قَسَمٍ عليها.
٢ - أن المنفيَّ محذوفٌ يقدَّر بما يناسبُ السياق، ويكون المعنى:
لا ليس الأمرُ كما زعمتُم في القرآن، أُقسم بالخنَّس | إنه لقولُ رسولٍ كريم. |
(٤) اختلف السلف في المراد بهذه الأوصافِ الثلاثةِ على قولين: =