المسألة الأولى: مفهوم التفسير:
التفسيرُ في اللغةِ: الإيضاحُ والكشفُ والبيانُ، ومنه: فَسَرَ عنْ ذراعِهِ: إذا كشفَها.
أمَّا في الاصطلاحِ، فله عِدَّةُ تعاريفَ عند العلماءِ، وكثيرٌ منها يَدْخُلُ فيه بعضُ علومِ القرآنِ على سبيلِ الوصفِ لهذا العلمِ، لا بيانِ الحدِّ المطابقِ الذي قدْ يتعذَّرُ في تعريفِ بعضِ العلومِ، فيكونُ التعريفُ بالوصفِ أوضحَ لها.
وبعيداً عن هذه التعاريفِ والنَّظَرِ في اختلافِها، أذهبُ بك إلى محاولةٍ لوضعِ ضابطٍ لما يخصُّ هذا العلمَ من المعلوماتِ التي تجدها في كتبِ التفسيرِ، ويكونُ ما وراءَ هذا الضابطِ من متمِّماتِ التفسيرِ وعلومِهِ، لا منْ صُلْبِهِ وأصلِهِ.
إذا انطلقتَ من التعريف اللغوي الذي هو البيان، وعرَّفت التفسير بأنه: بيانُ القرآن الكريم وإيضاحُ معانيه، فإنَّ الضابطَ فيما يدخلُ في صُلب التفسير هو البيان؛ أي: ما كان فيه بيانٌ عن المعنى المراد بالآية، فهو من صُلب التفسير، وما كان خارجاً عن حدِّ البيان، بحيث يُفهم المعنى من دونه، فهو من متمِّمات التفسير وعلومِه، لا من صُلْبِه وأصْلِه، إذ المقصودُ من التفسير فَهْمُ معاني القرآن، فإذا حصل هذا الفهمُ وصحَّ، صحَّت الفوائد المستنبطَة عليه غالباً، وإذا كان الفَهمُ غير صحيحٍ، كانت الفوائد المستنبَطة والمترتِّبة عليه غير صحيحة.
وهذه العلومُ التي تَرِدُ في كُتب التفسير، وهي خارجةٌ عن حدِّ البَيان، لا يعني أنها غير مفيدة، بل الفائدةُ موجودةٌ فيها قطعاً، وإنما النظرُ هنا إلى كونِها ينطبقُ عليها مصطلحُ البيانِ، أو لا ينطبقُ.
فمنَ الأمثلةِ التي ينطبقُ عليها ضابطُ البيان، تفسيرُ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ [النبأ: ١٤]، فإنك لا يمكن أن تفهمَ المعنى