٦ - قولُه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾؛ أي: يا أيُّها الإنسانُ الكافرُ (١)، أيُّ شيءٍ سوَّلَ لك وجعلكَ تخالفُ أمرَ ربِّكَ الذي أوجدَكَ وربَّاك بنِعَمِه، ولم يعاجِلْكَ بعقوبته بكَرَمِه؟، سوَّل لك جهلُك، أو شيطانُك (٢)؟!
٧ - قولُه تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾؛ أي: ربُّك الكريم: الذي أوجدَك من العدَمِ، فجعلَ خلقك سويًّا قويماً لا خلَلَ فيه، وجعله متناسباً في الخلق يدان ورِجلان وعينان... إلخ، وكلٌّ في مكانه المناسبِ له.
٨ - قولُه تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾؛ أي: جمعَ خلقكَ في شكلٍ خاصٍّ بك، مائلٍ في الشَبَهِ إلى أمٍّ أو أبٍ أو عمٍّ أو خالٍ أو غيرهم (٣).
٩ - قولُه تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ هذا خطابٌ للكفار، والمعنى: ليس الأمرُ كما تظنُّون يا من اغتررتم بجهلِكم فكفرتُم بربِّكُم، ولكن أنتم تكذِّبون بيوم الجزاء والحساب، ولا تصدِّقون به، فتعملون له (٤).
_________
= لم يعمل به، وتكون السنَّة التي يعمل بها بعده داخلة فيما قدَّم، وهذا يعني أن هذه التفاسير السَّلَفية أمثلة لعمل مقدَّم وآخر مؤخَّر، وأعمُّها قول إبراهيم التيمي، وليس بين هذه الأقوال على هذا السبيل تعارض، بل هي راجعة إلى معنىً واحدٍ وهو العموم، والله أعلم.
(١) لفظُ الإنسان في القرآن المكيِّ يُطلق على الكافر في الغالب، والخطابُ في مثلِ هذا يشملُ من اتصف به من المسلمين قياساً، وإن كان أصلُ نزوله في الكافر، والله أعلم.
(٢) وردَ عن عمر وابنه عبد الله وابن عباس والربيع بن خثيم: غرَّه جهله (تفسير ابن كثير)، وعن قتادة: شيء ما غرَّ ابن آدم: هذا العدو المسلَّط.
(٣) هذا قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقد جعله عكرمة من طريق أبي رجاء، وأبو صالح من طريق إسماعيل على معنى آخر، وهو: إن شاء في صورة كلب، وإن شاء في صورة حمار، وكأنه على قولهم بيان للطف الله بالعبد أن خلقه مستقيماً معتدِلاً متناسب الأعضاء، وأبعده عن هذه الصوَر التي هو قادر على أن يخلقَه مثلها.
(٤) في مجيء الفعل «تكذبون» مضارعاً، إشعارٌ بتجدُّد تكذيبهم وتكرُّر وقوعه منهم.


الصفحة التالية
Icon