على أنفسِهم (١)، ويدخلونَ نار جهنَّمَ التي أُوقِدَتْ مرةً بعد مرةٍ، فتشويَهُم وتحرقَهُم بحرِّها (٢).
١٣ - ١٥ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا *إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ *بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾؛ أي: إنَّ هذا الذي أوتي كتابه وراءَ ظهرِه كان في أهله في الدنيا (٣) فَرِحاً لما هو فيه من المعاصي، وكان يعتقدُ أنه لن يرجع إلى الحياة بعد الممات (٤)، ولذا كان يركَبُ المعاصي ولا يُبالي، ولكنه مخطئٌ في هذا الاعتقاد، بل سيرجع ويحاسَب على أعماله التي كان الله مطَّلِعاً عليها.
١٦ - ١٨ - قولُه تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ *وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ *وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾: يُقْسِمُ الربُّ سبحانه بحُمْرَةِ الأُفُقِ التي تظهرُ عندَ غروبِ الشمس (٥)،
_________
= جعلَ يدَه اليُمنى إلى عنقِه، وجعلَ الشمالَ من يديه وراء ظهره، فيتناول كتابَهُ بشماله من وراء ظهره، ولذلك وصفهم ـ جلَّ ثناؤه ـ أحياناً أنهم يؤتون كُتُبَهُم بشَمائِلِهم، وأحياناً أنهم يؤتَوْنها من وراء ظهورهم».
(١) قال الضحاك من طريق عبيد المكتب: «يدعو بالهلاك».
(٢) في قوله: ﴿يَصْلَى﴾ قراءتان، الأولى: بتخفيف اللام، والثانية بتشديدها، وفائدة التَّشْدِيد كما قال الطبري: «أن الله يصليهم تَصْلِيَةً بعد تَصْلِيَة، وإنضاجَةً بعد إنضاجة...»، وهذا يعني أن صيغة «فَعَّلَ» تدل على تكرُّرِ الحدَث وتكثيرِه. أما قراءة التخفيف، فتدل على أنهم يدخلونها ويَرِدونها فقط، دون معنى التكرار، والله أعلم.
(٣) قال قتادة من طريق سعيد: «أي في الدنيا».
(٤) كذا ورد عن السلف: ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: «يبعث»، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح: «ألا يرجع إلينا»، وقتادة من طريق سعيد: «أن لا مَعاد ولا رَجْعة»، ومن طريق معمر: «أن لن ينقلب، يقول: لن يبعث»، وكذا قال ابن زيد، وقال سفيان الثوري من طريق مهران: «يرجع». وهذه الأقوال متَّفِقة، وإنما بينها اختلافُ عبارة، والله أعلم.
(٥) نسبَ ابنُ جريرٍ إلى بعض أهل العراق هذا القول، ولم يذكرهم، وقد وردَ تفسيره بذلك عن ابن عمر (الدر المنثور)، ومكحول (تفسير عبد الرزاق)، ونسبه ابن كثير في تفسيره إلى عليٍّ وابن عباس وعُبادة بن الصامت وأبي هريرة وشدَّاد بن أوس وابن عمر =


الصفحة التالية
Icon