موسى، وقيل: هي إشارة إلى إحياء القتيل بعد ضربه ببعض البقرة فَهِيَ يعني القلوب في الغلظ والشدة كَالْحِجارَةِ أي كالشيء الصلب الذي لا تخلخل فيه أَوْ قيل: أو بمعنى بل وقيل بمعنى الواو أي وأَشَدُّ قَسْوَةً فإن قلت: لم شبه قلوبهم بالحجارة ولم يشبهها بالحديد وهو أشد من الحجارة وأصلب. قلت: لأن الحديد قابل للين بالنار وقد لان لداود عليه الصلاة والسلام والحجارة ليست قابلة للين فلا تلين قط. ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ قيل: أراد به جميع الحجارة وقيل أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى ليسقي الأسباط والتفجير التفتح بالسعة والكثرة وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ يعني العيون الصغار التي دون الأنهار وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أي ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله، وخشيتها عبارة عن انقيادها لأمر الله وأنها لا تمتنع عما يريد منها، وقلوبكم يا معشر اليهود لا تلين ولا تخشع. فإن قلت: الحجر جماد لا يعقل ولا يفهم فكيف يخشى؟ قلت: إن الله تعالى قادر على إفهام الحجر والجمادات فتعقل وتخشى بإلهامه لها، ومذهب أهل السنة إن الله تعالى أودع في الجمادات والحيوانات، علما وحكمة لا يقف عليهما غيره فلها صلاة وتسبيح وخشية يدل عليه قوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وقال تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ فيجب على المرء الإيمان به وبكل علمه إلى الله تعالى (م) عن جابر بن سمرة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن» عن علي قال كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة فخرجنا إلى بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب (خ) عن جابر بن عبد الله قال: «كان في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جذع في قبلته يقوم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خطبته فلما وضع المنبر سمعنا للجذع حنينا مثل صوت العشار حتى نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده عليه، وفي رواية: صاحت النخلة صياح الصبي فنزل صلّى الله عليه
وسلّم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي لا يسكت حتى استقرت. قال:
بكت على ما كانت تسمع من الذكر» قال مجاهد: ما ينزل حجر من أعلى إلى أسفل إلا من خشية الله وذلك يشهد لما قلنا وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فيه وعيد وتهديد والمعنى أن الله بالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم وحافظ لأعمالهم حتى يجازيهم بها في الآخرة. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٥ الى ٧٦]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦)
أَفَتَطْمَعُونَ خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه هو الداعي إلى الإيمان وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيما له، وقيل: هو خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لأنهم كانوا يدعونهم إلى الإيمان أيضا ومعنى أفتطمعون أفترجعون أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أي يصدقكم اليهود بما تخبرونهم وقيل: معناه أفتطمعون أن يؤمنوا لكم مع أنهم لم يؤمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام وكان هو السبب في خلاصهم من الذل وظهور المعجزات على يده وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ قيل المراد بالفريق: هم الذين كانوا مع موسى يوم الميقات، وهم الذين سمعوا كلام الله تعالى، وقيل المراد بهم: الذي كانوا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الأقرب لأن الضمير راجع إليهم في أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، فعلى هذا يكون معنى يسمعون كلام الله يعني التوراة، لأنه يصح أن يقال لمن يسمع التوراة يسمع كلام الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ أي يغيرون كلام الله، ويبدلونه فمن فسر الفريق الذين يسمعون كلام الله بالفريق الذين كانوا مع موسى عليه السلام استدل بقول ابن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك لأنهم لما رجعوا إلى قومهم بعد ما سمعوا كلام الله أما الصادقون منهم فإنهم أدوا كما سمعوا وقالت طائفة