في مشركي مكة وذلك أنهم قالوا قد تردد على محمد أمره واشتاق مولده، وقد توجه إلى نحو بلدكم فلعله يرجع إلى دينكم وقيل نزلت في المنافقين وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام وقيل: يحتمل أن لفظ السفهاء للعموم فيدخل فيه جميع الكفار والمنافقين واليهود ويحتمل وقوع هذا الكلام من كلهم إذ لا فائدة في التخصيص، ولأن الأعداء يبالغون في الطعن والقدح فإذا وجدوا مقالا قالوا أو مجالا جالوا ما وَلَّاهُمْ يعني أي شيء صرفهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها يعني بيت المقدس، والقبلة هي الجهة التي يستقبلها الإنسان وإنما سميت قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله ولما قال السفهاء ذلك رد الله تعالى عليهم بقوله: قُلْ يا محمد لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يعني أن له قطري المشرق والمغرب وما بينهما ملكا فلا يستحق شيء أن يكون لذاته قبلة لأن الجهات كلها شيء واحد، وإنما تصير قبلة لأن الله تعالى هو الذي جعلها قبلة فلا اعتراض عليه وهو قوله: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني من عباده إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني إلى جهة الكعبة وهي قبلة إبراهيم عليه السلام. قوله عز وجل: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً الكاف في قوله وكذلك كاف التشبيه جاء لمشبه به وفيه وجوه أحدها أنه معطوف على ما تقدم من قوله في حق إبراهيم: ولقد اصطفيناه في الدنيا، وكذلك جعلناكم أمة وسطا الثاني أنه معطوف على قوله: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وكذلك هديناكم وجعلنا قبلتكم وسطا بين المشرق والمغرب كذلك جعلناكم أمة وسطا يعني عدولا خيارا، وخير الأمور أوسطها، قال زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم | إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم |
قوله عز وجل: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها أي وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها، وهي بيت المقدس، وإنما حذف ذكر الصرف اكتفاء بدلالة اللفظ عليه، وقيل: معناه وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة وقيل: معناه وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي الكعبة وإِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ فإن قلت ما معنى قوله: إلّا لنعلم وهو عالم بالأشياء كلها قبل كونها قلت: أراد به العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب فإنه لا يتعلق بما هو عالم به في الغيب إنما يتعلق بما يوجد. والمعنى لنعلم العلم الذي يستحق العامل عليه