الثواب والعقاب، وقيل: العلم هنا بمعنى الرؤية أي لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة ممن ينقلب على عقبيه وقيل: معناه إلّا لتعلم رسلي وحزبي وأوليائي من المؤمنين من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وكان من شأن العرب إضافة ما فعله الاتباع إلى الكبير. كقولهم: فتح عمر العراق وجبى خراجها وإنما فعل ذلك أتباعه عن أمره، وقيل إنما قال إلّا لنعلم وهو بذلك عالم قبل كونه على وجه الرفق بعباده ومعناه إلّا لتعلموا، أنتم إذ كنتم جهالا به قبل كونه فإضافة العلم إلى نفسه رفقا بعباده المخاطبين. وقيل: معناه لعلمنا لأنه تعالى سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة آخرين ومعنى من يتبع الرسول أي يطيعه في أمر القبلة وتحويلها مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أي يرجع إلى ما كان عليه من الكفر فيرتد، وفي الحديث «إنه لما تحولت القبلة إلى الكعبة ارتد قوم إلى اليهودية وقالوا رجع محمد إلى دين آبائه» وَإِنْ كانَتْ أي وقد كانت لَكَبِيرَةً يعني تولية القبلة ثقيلة شاقة وقيل هي التولية من بيت المقدس إلى الكعبة وقيل الكبيرة هي القبلة التي وجهه إليها قيل التحويل وهي بيت المقدس، وأنث الكبيرة لتأنيث القبلة وقيل: لتأنيث التولية إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ يعني الصادقين في اتباع الرسول وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس إن كانت على هدى فقد تحولتم عنه وإن كانت على ضلالة فقد دنتم الله بها مدة، ومن مات عليها فقد مات على ضلالة فقال المسلمون: إنما الهدى فيما أمر الله به والضلالة نهى الله عنه قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وكان قد مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة أسعد بن زرارة من بني النجار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ يعني لا يضيع أجورهم، والرأفة أخص من الرحمة وأرق، وقيل: الرأفة أشد من الرحمة. وقيل: الرأفة الرحمة وقيل: في الفرق بين الرأفة والرحمة. أن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة، وهي دفع المكروه وإزالة الضرر وأما الرحمة فإنها اسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ويدخل فيه أيضا جميع الإفضال والإنعام فذكر الله الرأفة، ولا بمعنى أنه لا نضيع أعمالهم ثم ذكر الرحمة ثانيا لأنها أعم وأشمل. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢): آية ١٤٤]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ سبب نزول هذه الآية أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس يتألف بذلك اليهود وقيل إن الله تعالى أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه، إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته وصفته في التوراة فصلّى إلى بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وقيل: كان يحب ذلك من أجل أن اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجبريل:
وددت لو حولني الله إلى الكعبة فإنها قبلة أبي إبراهيم فقال: جبريل صلّى الله عليه وسلّم إنما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فسل أنت ربك فإنك عند الله بمكان ثم عرج جبريل وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديم النظر إلى السماء، رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فأنزل الله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء يعني، تردد وجهك وتصرف نظرك في السماء أي إلى جهة السماء، وهذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى لأنها رأس