سبيلهم في الكفر والاعتقاد يا حَسْرَتَنا يعني: يا ندامتنا والحسرة التلهف على الشيء الفائت وذكرت على وجه النداء للمبالغة والمراد تنبيه المخاطبين على ما وقع بهم من الحسرة عَلى ما فَرَّطْنا يعني قصرنا فِيها يعني في الدنيا لأنها موضع التفريط في الأعمال الصالحة والمعنى يا حسرتنا على الأعمال الصالحة التي فرطنا فيها في دار الدنيا. وقال محمد بن جرير الطبري: الهاء والألف في قوله فيها تعود إلى الصفقة ولكن اكتفى بدلالة قوله قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله عليها من ذكرها إذ كان معلوما أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرى ومعنى الآية قد وكس الذين كذبوا بلقاء الله ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به رضوان الله وجنته بالكفر الذي يستوجبون به سخط الله وعقوبته وهم لا يشعرون بذلك حتى تقوم الساعة.
فإذا جاءتهم الساعة بغتة ورأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذ: يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وروى الطبري بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ في قوله يا حسرتنا، قال: يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون يا حسرتنا.
وقوله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ يعني أثقالهم: عَلى ظُهُورِهِمْ والأوزار: الخطايا والذنوب.
وأصل الوزر: الثقل والحمل. يقال: وزرته إذا حملته وإنما قيل للذنوب أوزار، لأنها تثقل ظهر من يحملها. قال قتادة والسدي: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحا فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الصالح فاركبني فقد طالما ركبتك في الدنيا فذلك قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً يعني ركبانا.
وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك فذلك معنى قوله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ.
وقال عمر بن هانئ: يحشر مع كل كافر عمله في صورة رجل قبيح كلما رأى هو صورته وقبحه زاده الله خوفا فيقول له بئس الجليس أنت فيقول أنا عملك طالما ركبتني فلأركبنك اليوم حتى أخزيك على رؤوس الخلائق فيركبه ويتخطى به الناس حتى يقف بين يدي ربه تعالى فذلك قوله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ. وقال الزجاج: الثقل كما يذكر في الوزن فقد يذكر في الحال والصفة يقال ثقل علي كلام فلان بمعنى كرهته فالمعنى أنهم يقاسون من ألم عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل ذلك عليهم فعلى هذا القول يكون قوله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ مجازا عما يقاسونه من شدة العذاب. وقيل في معنى الآية: أوزارهم لا تزايلهم كما تقول شخصه نصب عيني أي ذكره ملازم لي أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ يعني بئس الشيء شيئا يحملونه.
وقال ابن عباس: بئس الحمل حملوا. قوله عز وجل: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ أي باطل وغرور لا بقاء لها وهذا فيه رد على منكري البعث في قولهم إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ فقال الله ردا عليهم وكذبا لهم وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وهل المراد بهذه الحياة حياة المؤمن أو الكافر قولان:
أحدهما: إن المراد بها حياة الكافر لأن المؤمن لا يزداد بحياته في الدنيا إلا خيرا لأنه يحصل في أيام حياته من الأعمال الصالحة والطاعة ما يكون سببا لحصول السعادة في الآخرة وأما الكافر فإن كل حياته في الدنيا وبال عليه قال ابن عباس يريد حياة أهل الشرك والنفاق.
والقول الثاني: إن هذا عام في حياة المؤمن والكافر لأن الإنسان يلتذ باللعب واللهو ثم عند انقضائه تحصل له الحسرة والندامة لأن الذي كان فيه من اللعب واللهو سريع الزوال لا بقاء له فبان بهذا التقرير أن المراد بهذه الحياة حياة المؤمن والكافر وأنه عام فيهما. وإنما شبه الحياة الدنيا باللعب واللهو لسرعة زوالها وقصر عمرها كالشيء الذي يلعب به.