والدعاء والذكر فعبر بالدعاء عن الصلاة لهذا المعنى. قال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص فقال سعيد بن المسيب: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس؟ فقال مجاهد: يتأولون قوله تعالى يدعون ربهم بالغداة والعشي قال أوفي هذا إنما هو في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن وقال ابن عباس إن ناسا من الفقراء كانوا مع النبي ﷺ فقال ناس من أشراف الناس نؤمن لك وإذا صلينا فأخّر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا، وقيل: المراد منه حقيقة الدعاء والذكر والمعنى: أنهم كانوا يذكرون ربهم ويدعونه طرفي النهار يريدون وجهه يعني يطلبون بعبادتهم وطاعتهم وجه الله مخلصين في عبادتهم له. وقال ابن عباس: يطلبون ثواب الله تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني لا تكلف أمرهم ولا يكلفون أمرك. وقيل: ما عليك حسابهم رزقهم فتملهم وتطردهم عنك ولا رزقك عليهم إنما الرازق لجميع الخلق هو الله تعالى فلا تطردهم عنك: فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ يعني بطردهم عنك وعن مجلسك. فقوله: فتطردهم، جواب النفي وهو قوله ما عليك من حسابهم من شيء وقوله: فتكون من الظالمين، جواب النهي وهو قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية فقالوا إن النبي ﷺ لما همّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف عاتبه الله على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك يقدح في العصمة وقوله فتطردهم فتكون من الظالمين والجواب عن هذا الاحتجاج أن النبي ﷺ ما طردهم ولا همّ بطردهم، لأجل استخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقربهم منه وأدناهم. وأما قوله فتطردهم فتكون من الظالمين فإن الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فيكون المعنى أن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير موضعه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات والله أعلم.
[سورة الأنعام (٦): الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)
قوله عز وجل: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعني وكذلك ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف فكل أحد مبتلى بضده فكان ابتلاء الأغنياء فالشرفاء حسدهم لفقراء الصحابة على كونهم سبقوهم إلى الإسلام وتقدموا عليهم فامتنعوا من الدخول في الإسلام لذلك فكان ذلك فتنة وابتلاء لهم. وأما فتنة الفقراء بالأغنياء، فلما يرون من سعة رزقهم وخصب عيشهم فكان ذلك فتنة لهم لِيَقُولُوا يعني الأغنياء والشرفاء والرؤساء أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا يعني منّ على الفقراء والضعفاء بالإسلام ومتابعة الرسول ﷺ وهذا اعتراض من الكفار على الله تعالى فأجابهم بقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ يعني أنه تعالى أعلم بخلقه وبأحوالهم وأعلم بالشاكرين من الكافرين. قوله تعالى: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله نبيه عن طردهم فكان النبي ﷺ إذا رآهم بدأهم بالسلام.
وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم بن أبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد وقيل إن الآية على إطلاقها في كل مؤمن. وقيل: لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدمت في رواية عكرمة وقال: ما


الصفحة التالية
Icon