من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب وظلمات البحر ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضا الخوف الشديد من الوقوع في الهلاك فالمقصود أن عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله سبحانه وتعالى لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد وهو المراد من قوله: تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً يعني فإذا اشتد بكم الأمر تخلصون له الدعاء تضرعا منكم إليه واستكانة. جهرا وخفية: يعني سرا حالا وحالا لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ يعني قائلين في حال الدعاء والتضرع لئن أنجيتنا من هذه الظلمات وخلصتنا من الهلاك لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ يعني لك على هذه النعمة والشكر وهو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها.
[سورة الأنعام (٦): الآيات ٦٤ الى ٦٥]
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥)
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها يعني من الظلمات والشدائد التي أنتم فيها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ يعني وهو الذي ينجيكم من كل كرب أيضا والكرب هو الغم الشديد الذي يأخذ بالنفس ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ يريد أنهم يقرون بأن الذي أنجاهم من هذه الشدائد هو الله تعالى ثم إنهم بعد ذلك الإقرار يشركون معه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع.
قوله عز وجل: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أي: قل يا محمد لقومك إن الله هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم يعني الصيحة والحجارة والريح والطوفان كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني الرجفة والخسف كما فعل بقوم شعيب وقارون. وقال ابن عباس ومجاهد: عذابا من فوقكم، يعني أئمة السوء والسلاطين الظلمة أو من تحت أرجلكم يعني عبيد السوء. وقال الضحاك: من فوقكم يعني من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم يعني السفلة أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً الشيع جمع شيعة وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة وأشياع وأصله من التشيع. ومعنى الشيعة: الذين يتبع بعضهم بعضا.
وقيل: الشيعة هم الذي يتقوى بهم الإنسان. قال الزجاج: في قوله أو يلبسكم شيعا يعني يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط إنفاق فيجعلكم فرقا مختلفين يقاتل بعضكم بعضا وهو معنى قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال ابن عباس: قوله أو يلبسكم شيعا يعني الأهواء المختلفة ويذيق بعضكم بأس بعض يعني أنه يقتل بعضكم بيد بعض. وقال مجاهد: يعني أهواء متفرقة وهو ما كان فيهم من الفتن والاختلاف. وقال ابن زيد: هو الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك بعضهم دماء بعض. ثم اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية فقال قوم عني بها المسلمون من أمة محمد ﷺ وفيهم نزلت هذه الآية. قال أبو العالية: في قوله قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ الآية. قال: هن أربع وكلهن عذاب فجاءت اثنتان بعد رسول الله ﷺ بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان وهما لا بد واقعتان يعني الخسف والمسخ. وعن أبي بن كعب نحوه وهن أربع خلال وكلهن واقع قبل يوم القيامة مضت ثنتان بعد وفاة رسول الله ﷺ بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض ثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم. وقال مجاهد: في قوله من فوقكم أو من تحت أرجلكم لأمة محمد فأعفاهم منه أو يلبسكم شيعا ما كان بينهم من الفتن والاختلاف زاد غيره ويذيق بعضكم بأس بعض يعني ما كان فيهم من القتل بعد وفاة رسول الله ﷺ (خ) عن جابر قال لما نزلت هذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هذا أهون أو هذا أيسر» (م).