ولقد جئتمونا فرادى تقريع وتوبيخ لهم لأنهم صرفوا هممهم في الدنيا إلى تحصيل المال والولد والجاه وأفنوا أعمارهم في عبادة الأصنام فلم يغن عنهم كل ذلك شيئا يوم القيامة فبقوا فرادى عن كل ما حصلوه في الدنيا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني جئتمونا حفاة عراة غرلا يعني قلفا كما ولدتهم أمهاتهم في أول مرة في الدنيا لا شيء عليهم ولا معهم (ق).
عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا» كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (ق) عن عائشة قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«تحشر الناس حفاة غراة غرلا» قالت عائشة: فقلت الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال الأمر أشد من أن يهمهم ذلك روي الطبري بسنده عن عائشة أنها قرأت قول الله عز وجل وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فقالت: يا رسول الله وا سوأتاه إن الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟ فقال رسول الله ﷺ «لكل امرئ منهم يومئذ شيء يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض». وقوله تعالى: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ يعني وتركتم الذي أعطيناكم وملكناكم من الأموال والأولاد والخدم والخول وكل ما أعطى الله العبد خوله فيه من المال والعبيد وراء ظهوركم يعني في الدنيا وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ يعني أن المشركين زعموا أنهم إنما عبدوا هذه الأصنام «لأنها تشفع لهم عند الله يوم القيامة لأنها شركاء الله تعالى الله عن ذلك فإذا كان يوم القيامة وبخ الله المشركين وقرعهم بهذه الآية ثم قال تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قرئ بينكم برفع النون، ومعناه لقد تقطع وصلكم والبين من الأضداد يكون وصلا ويكون هجرا وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ يعني: وذهب وبطل ما كنتم تكذبون في الدنيا.
[سورة الأنعام (٦): الآيات ٩٥ الى ٩٨]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)
قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى لما تقدم الكلام على تقرير التوحيد وتقرير النبوة، أردفه بذكر الدلائل على كمال قدرته وعلمه وحكمته تنبيها بذلك على أن المقصود الأعظم هو معرفة الله سبحانه وتعالى بجميع صفاته وأفعاله وأنه مبدع الأشياء وخالقها ومن كان كذلك كان هو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها وتعريفا منه خطأ ما كانوا عليه من الإشراك الذي كانوا عليه. والمعنى: أن الذي يستحق العبادة دون غيره هو الله الذي فلق الحب عن النبات والنواة عن النخلة. وفي معنى فلق قولان: أحدهما: أنه بمعنى خلق ومعنى الآية على هذا القول: «أن الله خالق الحب والنوى»
وهو قول ابن عباس في رواية العوفي عنه وبه. قال الضحاك ومقاتل: قال الواحدي: ذهبوا بفالق مذهب فاطر. وأنكر الطبري هذا القول وقال لا يعرف في كلام العرب فلق الله الشيء بمعنى خلق. ونقل الأزهري عن الزجاج جوازه فقال: وقيل الفلق الخلق، وإذا تأملت الخلق، تبين لك أن أكثره عن انفلاق ومعنى هذا الكلام أن جميع الأشياء كانت قبل الوجود في العدم فلما أوجدها الله تعالى وأخرجها من العدم إلى الوجود فكأنه فلقها وأظهرها.
والقول الثاني: وهو قول الأكثرين أن الفلق هو الشق ثم اختلفوا في معناه على قولين: أحدهما: وهو


الصفحة التالية
Icon