[سورة الأعراف (٧): الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)قوله تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون أمر ربي بالقسط يعني بالعدل، وهذا قول مجاهد والسدي. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بلا إله إلا الله فالأمر بالقسط في هذه الآية يشتمل على معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأفعاله وأنه واحد لا شريك له وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فإن قلت قل أمر ربي بالقسط خبر وقوله وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد أمر وعطف الأمر على الخبر لا يجوز فما معناه.
قلت: فيه إضمار وحذف تقديره قل أمر ربي بالقسط وقال «وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد» فحذف فقال لدلالة الكلام عليه ومعنى الآية قول مجاهد والسدي: وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة، وقال الضحاك: معناه إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي أو في مسجد قومي. وقيل معناه اجعلوا سجودكم لله خالصا وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي واعبدوه مخلصين العبادة والطاعة والدعاء لله عز وجل لا لغيره كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله عز وجل بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا وحجة هذا القول قوله في سياق الآية فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ فإنه كالتفسير له ويدل على صحة ذلك ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «يبعث كل عبد على ما مات عليه» أخرجه مسلم زاد البغوي في روايته: المؤمن على إيمانه والكافر على كفره. وقال محمد بن كعب: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة كما أن إبليس كان يعمل بعمل أهل السعادة ثم صار إلى الشقاوة. ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بأعمال أهل الشقاوة كما أن السحرة كانوا يعملون بعمل أهل الشقاوة ثم صاروا إلى السعادة ويصح هذا القول ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال «إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة» أخرجه مسلم وقال الحسن ومجاهد في معنى الآية كما بدأكم فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا فأحياكم ثم يميتكم كذلك تعودون أحياء يوم القيامة ويشهد لمصلحة هذا القول ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة فقال «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين» أخرجه البخاري ومسلم وقوله تعالى: فَرِيقاً هَدى يعني هداهم إلى الإيمان به ومعرفته ووفقهم لطاعته وعبادته وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ يعني وخذل فريقا حتى وجبت عليهم الضلالة للسابقة التي سبقت لهم في الأزل بأنهم أشقياء وفيه دليل على أن الهدى والضلالة من الله عز وجل، ولما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص روى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «إن الله خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل» أخرجه الترمذي.
وقوله تعالى: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني أن الفريق الذي حق عليهم الضلالة اتخذوا الشياطين نصراء وأعوانا أطاعوهم فيما أمروهم به من الكفر والمعاصي والمعنى أن الداعي الذي دعاهم إلى الكفر والمعاصي هو أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله لأن الشياطين لا يقدرون على إضلال أحد.
وقوله وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ يعني أنهم مع ضلالتهم يظنون ويحسبون أنهم على هداية وحق وفيه دليل