قوله عز وجل: يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط والجزاء، وهو قوله فمن اتقى وأصلح يعني منكم وإنما قال رسل بلفظ الجمع وإن كان المراد به واحد وهو النبي ﷺ لأنه خاتم الأنبياء وهو مرسل إلى كافة الخلق فذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم فعلى هذا يكون الخطاب في قوله يا بني آدم لأهل مكة ومن يلحق بهم. وقيل: أراد جميع الرسل وعلى هذا فالخطاب في قوله يا بني آدم عام في كل بني آدم وإنما قال منكم يعني من جنسكم ومثلكم من بني آدم لأن الرسول إذا كان من جنسهم كان أقطع لعذرهم وأثبت للحجة عليهم لأنهم يعرفونه ويعرفون أحواله فإذا أتاهم بما لا يليق بقدرته أو بقدرة أمثاله علم أن ذلك الذي أتى به معجزة له وحجة على من خالفه يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي يعني يقرءون عليكم كتابي وأدلة أحكامي وشرائعي التي شرعت لعبادي فَمَنِ اتَّقى يعني فمن اتقى الشرك ومخالفة رسلي وَأَصْلَحَ يعني العمل الذي أمرته به رسلي فعمل بطاعتي وتجنب معصيتي وما نهيته عنه فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يعني حين يخاف غيرهم يوم القيامة من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يعني على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا
يعني ومن جحدوا آياتنا وكذبوا رسلنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها يعني واستكبروا عن الإيمان بها وما جاءت به رسلنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني لا يخرجون منها أبدا.
قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني فمن أعظم ظلما ممن يقول على الله ما لم يقله أو يجعل له شريكا من خلقه وهو منزه عن الشريك والولد أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني أو كذب بالقرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ﷺ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ يعني ينالهم حظهم مما قدر لهم وكتب في اللوح المحفوظ واختلفوا في ذلك النصيب على قولين أحدهما: أن المراد به هو العذاب المعين لهم في الكتاب ثم اختلفوا فيه، فقال الحسن والسدي: ما كتب لهم من العذاب وقضي عليهم من سواد الوجوه ورزقه العيون، وقال ابن عباس: في رواية عنه كتب لمن يفتري على الله كذبا أن وجهه أسود، وقال الزجاج: هو المذكور في قوله فأنذرتكم نارا تلظى وفي قوله إذ الأغلال في أعناقهم فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.
والقول الثاني: إن المراد بالنصيب المذكور في الكتاب هو شيء سوى العذاب ثم اختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى عنه وعن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية، في قوله: ينالهم نصيبهم من الكتاب، قالوا: هو السعادة والشقاوة، وقال ابن عباس: ما كتب عليهم من الأعمال، وقال في رواية أخرى عنه:
من عمل خيرا جوزي به ومن عمل شرا جوزي به. وقال قتادة: جزاء أعمالهم التي عملوها. وقيل معنى ذلك ينالهم نصيبهم مما وعدوا في الكتاب من خير أو شر قاله مجاهد والضحاك، وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، وقال الربيع بن أنس: ينالهم ما كتب لهم في الكتاب من الرزق، وقال محمد بن كعب القرظي:
عمله ورزقه وعمره. وقال ابن زيد: ينالهم نصيبهم من الكتاب من الأعمال والأرزاق والأعمار فإذا فرغ هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وصحح الطبري هذا القول الآخر وقال: لأن الله تعالى أتبع ذلك بقوله حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم فأبان أن الذي ينالهم هو ما قدر لهم في الدنيا فإذا فرغ توفتهم رسل ربهم. قال الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى: إنما حصل الاختلاف لأن لفظ النصيب محتمل لكل الوجوه. وقال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى لأنه تعالى بيّن أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم فإنه ليس بمانع أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلا من الله سبحانه وتعالى لكي يصلحوا ويتوبوا.
قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ يعني حتى إذا جاءت هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب


الصفحة التالية
Icon