على الأعراف لأنها درجة متوسطة بين الجنة والنار فهم لا من أهل الجنة ولا من أهل النار لكن الله تعالى يدخلهم الجنة بفضله ورحمته لأنه ليس في الآخرة دار إلا الجنة أو النار. وقال ابن مسعود رضي الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر بواحدة دخل الجنة من كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار وإن الميزان يخف ويثقل بمثال حبة من خردل ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فهنالك يقول الله تعالى: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فكان الطمع دخولا قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إذا عمل العبد حسنة كتب له بها عشر وإذا عمل سيئة لم تكتب له إلا واحدة ثم قال هلك من غلب آحاده عشراته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الأعراف سور بين الجنة والنار وأصحاب الأعراف هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بذلك المكان حتى إذا أراد الله تعالى أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال تمنوا ما شئتم فيتمنون حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا فيدخلون الجنة ذكره ابن جرير في تفسيره. وقال شرحبيل بن سعد: أصحاب الأعراف قوم خرجوا في الغزو من غير إذن آبائهم. ورواه الطبري بسنده إلى يحيى بن غيل مولى لبني هاشم عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سئل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال «هم قوم قتلوا عصاة لآبائهم فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة» زاد في رواية «فهم آخر من يدخل الجنة» وذكر ابن الجوزي: إنهم قوم رضي آباؤهم دون أمهاتهم وأمهاتهم دون آبائهم. ورواه عن إبراهيم وذكر عن أبي صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنهم أولاد الزنا، وقيل: إنهم الذين ماتوا في الفترة وفيه بعد لأن آخر أمر أصحاب الأعراف إلى الجنة وهؤلاء الذين ماتوا في الفترة والله أعلم بحالهم وهو يتولى أمرهم وقيل إنهم أولاد المشركين الذين ماتوا أطفالا وهذا القول يرجع معناه إلى القول الذي قبله لأنه داخل في حكمه فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف دون أهل الجنة في الدرجات وإن كانوا يدخلون الجنة برحمة الله تعالى. وقال مجاهد: أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء فعلى هذا القول إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة أو ليرى غيرهم شرفهم وفضلهم وقيل إنهم أنبياء حكاه ابن الأنباري وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة وإظهارا لفضلهم وعلو مرتبتهم وليكونوا مشرفين على أهل الجنة والنار ومطلعين على أحوالهم ومقادير ثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار.
وقال أبو مجلز: أصحاب الأعراف ملائكة يعرفون الفريقين بسيماهم يعني يعرفون أهل الجنة وأهل النار، فقيل لأبي مجلز: إن الله تعالى يقول وعلى الأعراف رجال وأنت تقول إنهم ملائكة فقال إن الملائكة ذكور ليسوا بإناث وضعّف الطبري قول أبي مجلز قال: لأن لفظ الرجال في لسان العرب لا يطلق إلا على الذكور من بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق وحاصل هذه الأقوال أن أصحاب الأعراف أفضل من أهل الجنة لأنهم أعلى منهم منزلة وأفضل. وقيل: إنما أجلسهم الله في ذلك المكان العالي ليميزوا بين أهل الجنة وبين أهل النار والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
قوله عز وجل: يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ يعني: أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة بسيماهم وذلك ببياض وجوههم ونضرة النعيم عليهم ويعرفون أهل النار بسيماهم وذلك بسواد وجوههم وزرقة عيونهم والسيما العلامة الدالة على الشيء وأصله من السمة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوا ببياض الوجوه وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
فإن قلنا إن أصحاب الأعراف من استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم دون أهل الجنة في الدرجة كان وقوفهم