الرياء وذهب بعضهم إلى أن إظهارها أفضل ليقتدي به الغير فيعمل مثل عمله وتوسط الشيخ محمد بن عبد الحكيم الترمذي فقال: إن كان خائفا على نفسه من الرياء، فالأولى إخفاء العبادات صونا لعمله عن البطلان وإن كان قد بلغ في الصفاء وقوة اليقين إلى التمكين بحيث صار مباينا شائبة الرياء كأن الأولى في حقه الإظهار لتحصل فائدة الاقتداء به وذهب بعضهم إلى أن إظهار العبادات المفروضات أفضل من إخفائها فالصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من صلاته في بيته وصلاة النفل في البيت أفضل من صلاته في المسجد وكذا إظهار الزكاة أفضل من إخفائها وإخفاء صدقة التطوع أفضل من إظهارها ويقاس على هذا سائر العبادات قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها يعني ولا تفسدوا أيها الناس في الأرض بالمعاصي والكفر والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل وبيان الشرائع والدعاء إلى طاعة الله تعالى، وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي. قال ابن عطية: لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بسبب معاصيكم فعلى هذا يكون معنى قوله بعد إصلاحها يعني بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب. وقيل معنى الآية: ولا تفسدوا في الأرض شيئا بعد أن أصلحه الله تعالى فيدخل فيه المنع من إتلاف النفس بالقتل أو إفسادها بقطع بعض الأعضاء وإفساد الأموال بالغصب والسرقة وأخذه من الغير بوجوه الحيل وإفساد الأديان بالكفر واعتقاد البدع والأهواء المضلة وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنى وإفساد العقول بسبب شرب المسكر وذلك لأن المصالح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة فمنع الله من إدخال الفساد في ماهيتها.
وقوله تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أصل الخوف انزعاج في الباطن لما لا يؤمن من المضار وقيل هو توقع مكروه يحصل فيما بعد والطمع توقع محبوب يحصل له والمعنى وادعوه خوفا منه ومن عقابه وطمعا فيما عنده من جزيل ثوابه. وقال ابن جريج: العدل معناه خوف والطمع الفضل. وقيل معناه ادعوه خوفا من الرياء في الذكر والدعاء طمعا في الإجابة.
فإن قلت قال في أول الآية ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقال هنا وادعوه وهذا هو عطف الشيء على نفسه فما فائدة ذلك؟ قلت: الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى ادعوا ربكم أي ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات وقوله وادعوه خوفا وطمعا أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء وقيل معناه كونوا جامعين في أنفسكم من بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء وإن اجتهدتم فيهما إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ أصل الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتستعمل تارة في الرقة المجردة عن الإحسان وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة وإذا وصف بها الباري جل وعز فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة فرحمة الله عز وجل عبارة عن الإفضال والإنعام على عباده وإيصال الخير إليهم. وقيل: هي إرادة إيصال الخير والنعمة إلى عباده فعلى القول الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال وعلى القول الثاني تكون من صفات الذات قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قال سعيد بن جبير: الرحمة هاهنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ. وقيل إن تأنيث الرحمة ليس بحقيقي وما كان كذلك جاز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة وكون الرحمة قريبة من المحسنين لأن الإنسان في كل ساعة من الساعات في إدبار عن الدنيا وإقبال على الآخرة وإذا كان كذلك كان الموت أقرب إليه من الحياة وليس بينه وبين رحمة الله التي هي الثواب في الآخرة إلا الموت وهو قريب من الإنسان.