وهارون بما رأيتم فيريان رأيهما وأخذ بعض النقباء على بعض الميثاق بذلك فلما رجعوا إلى بني إسرائيل نكثوا العهد والميثاق وأخبر كل رجل سبطه بما رأى إلا رجلان منهم وهم يوشع بن نون وكالب بن يوقنا فإنهم أوفيا بالعهود ولم ينكثا الميثاق فذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ فيه حذف تقديره وقال للنقباء: إني معكم يعني بالنصر والمعونة. وقيل: هو خطاب لعامة بني إسرائيل: والقول الأول أولى لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور فكان عوده إلى النقباء أولى ثم ابتدأ الكلام فقال مخاطبا لبني إسرائيل: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ هذه جملة شرطية والشرط مركب من خمسة أمور، وهي قوله:
لئن أقمتم الصلاة وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وجزاء الشرط قوله تعالى:
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وذلك إشارة إلى إزالة العذاب. وقوله تعالى: وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إشارة إلى إيصال الثواب ومعنى الآية لئن أقمتم الصلاة المكتوبة وآتيتم الزكاة المفروضة وآمنتم برسلي يعني جميع رسلي وإنما أخر ذكر الإيمان بالرسل لأن اليهود كانوا مقربين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان ببعض الرسل فقال الله لهم إنه لا يتم لكم ذلك ولا يحصل المقصود إلا بالإيمان بجميع الرسل. وقوله تعالى:
وعزرتموهم، يعني ونصرتموهم. وأصل التعزير في اللغة: الردع. فمعنى وعزرتموهم: ونصرتموهم بأن تردوا أعداءهم عنهم. وقيل: معناه وقرتموهم وعظتموهم. والقول هو الأول.
وأقرضتم الله قرضا حسنا: يعني به الصدقات المندوبة لأن الزكاة تقدم ذكرها فلا فائدة في تفسير هذا الفرض بالزكاة. فإن قلت: كيف؟ قال: وأقرضتم الله قرضا حسنا ولم يقل إقراضا حسنا لأن مصدر أقرضتم الإقراض قلت: إن قوله قرضا أخرج مصدرا من معناه لا من لفظه وذلك أن أقرض بمعنى قرض فكان معنى الكلام وأقرضتم الله فقرضتم قرضا حسنا ونظير ذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً إذ كان معناه فنبتم نباتا وقوله لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني إذا فعلتم سائر ما أمرتكم به لأمحونّ عنكم سيئاتكم وأغفرها لكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ يعني بعد أخذ العهد والميثاق فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ يعني فقد أخطأ الطريق المستقيم وهو طريق الدين الذي شرعه والهدى الذي أمر باتباعه قوله تعالى:
[سورة المائدة (٥): الآيات ١٣ الى ١٤]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ أي بسبب نقضهم الميثاق وذلك أن بني إسرائيل نقضوا ميثاق الله وعهده بأن كذبوا الرسل الذين جاءوا من بعد موسى وقتلوا أنبياء الله ونبذوا كتابه وضيّعوا فرائضه لَعَنَّاهُمْ يعني جازيناهم على ذلك بأن أبعدناهم وطردناهم عن رحمتنا وأصل اللعنة الإبعاد عن الرحمة وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يعني غليظة يابسة لا تلين لأن القسوة خلاف اللين والرقة وقيل معناه إن قلوبهم ليست خالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يعني يغيرون حدود التوراة وأحكامها وقيل هو تبديلهم صفة محمد ﷺ ونعته من التوراة وقيل هو تحريفهم معاني الألفاظ بسوء التأويل وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني وتركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان يعني على معصية منهم وكانت خيانتهم نقض العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب محمد ﷺ وهمهم بقتله وسمه ونحوها من خيانتهم التي ظهرت إِلَّا قَلِيلًا