[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥٩ الى ٦٠]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)
وقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ قرئ بالتاء على الخطاب للنبي ﷺ والمعنى ولا تحسبن يا محمد الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا يعني فاتوا وانهزموا يوم بدر وقرئ بالياء على الغيبة ومعناه ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا يعني خلصوا من القتل والأسر يوم بدر إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ يعني أنهم بهذا السبق لا يعجزون الله من الانتقام منهم إما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة بعذاب النار وفيه تسلية للنبي ﷺ فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منهم فأعلمهم الله أنهم لا يعجزونه.
قوله عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه وفي المراد بالقوة أقوال أحدها: أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوة في الحرب على قتال عدوكم، الثاني: أنها الحصون والمعاقل الثالث: الرمي وقد جاءت مفسرة عن النبي ﷺ فيما رواه عقبة بن عامر قال «سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ثلاثا» أخرجه مسلم (خ) عن أبي أسيد قال قال رسول الله ﷺ «يوم بدر حين صففنا لقريش إذا أكثبوكم» يعني غشوكم وفي رواية أكثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم وفي رواية «إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل» (م) عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو باسمه» (م) عن فقيم اللخمي قال قلت لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير يشق عليك فقال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله ﷺ لم أغانه قال قلت وما ذاك؟ قال سمعته يقول: «من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى» عن أبي نجيح السلمي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «من بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة» فبلغت يومئذ عشرة أسهم قال وسمعت رسول الله ﷺ يقول «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر» أخرجه النسائي والترمذي بمعناه وعنده قال عدل رقبة محررة وأخرجه أبو داود أيضا عن عقبة بن عامر بمعناه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الله عز وجل ليدخلن بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في عمله الخير والرامي به والممد به» وفي رواية «ومنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا كل لهو باطل ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه أي نبله إنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو كفرها» أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي مختصر إلى نبله (خ) عن سلمة بن الأكوع قال «مر النبي ﷺ على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون؟ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم. القول الرابع: أن المراد بالقوة جميع ما يتقوى به في الحرب على العدو فكل ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوة المأمور باستعدادها وقوله ﷺ «ألا أن القوة الرمي» لا ينفي كون غير الرمي من القوة فهو كقوله ﷺ «الحج عرفة» وقوله: «الندم توبة» فهذا لا ينفي اعتبار غيره بل يدل على أن هذا المذكور من أفضل المقصود وأجله فكذا هاهنا يحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الحرب وجهاد العدو بجميع ما يمكن من الآلات كالرمي بالنبل والنشاب والسيف والدرع وتعليم الفروسية كل ذلك مأمور به إلا أنه من فروض الكفايات وقوله تعالى: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعني اقتناءها وربطها للغزو في سبيل الله والربط شد الفرس وغيره بالمكان للحفظ وسمي المكان الذي يخص بإقامة


الصفحة التالية
Icon