يعني: هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاءوا به من عند الله كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يعني: كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمدا ﷺ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ الخطاب لأهل مكة الذين أرسل فيهم رسول الله ﷺ والمعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء في الأرض من بعد القرون الماضية الذين أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني خيرا أو شرا فنعاملكم على حسب أعمالكم والنظر هنا بمعنى العلم يريد لنختبر أعمالكم وهو يعلم ما يكون قبل أن يكون. قال أهل المعاني: معنى النظر، هو طلب العلم وجاز في وصف الله سبحانه وتعالى إظهارا للعدل لأنه سبحانه وتعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه كقوله تبارك وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ذكره الواحدي والرازي (م) عن سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء» أخرجه مسلم قوله فاتقوا الدنيا معناه احذروا فتنة الدنيا واحذروا فتنة النساء.
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٥ الى ١٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
قوله سبحانه وتعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعني وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتابنا الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات يعني واضحات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوتك قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني قال هؤلاء المشركون الذين لا يخافون عذابنا ولا يرجون ثوابنا لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت وكل من كان منكرا للبعث فإنه لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قال قتادة: قال ذلك مشركو مكة، وقال مقاتل: هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام، قال هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن غير هذا ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وإن لم ينزله الله عليك فقل أنت من عند نفسك أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ومكان حرام حلالا ومكان حلال حراما.
قال الإمام فخر الدين الرازي: اعلم أن إقدام الكفار على هذا الالتماس يحتمل وجهين: أحدهما، أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء وهو قولهم لو جئتنا بقرآن غير هذا القرآن أو بدلته لآمنا بك وغرضهم السخرية والاستهزاء. الثاني: أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التجربة والامتحان حتى أنه لو فعل ذلك علموا أنه كان كاذبا في قوله: إن هذا القرآن ينزل عليه من عند الله. ومعنى قوله: ائت بقرآن غير هذا أو بدله يحتمل أن يأتي بقرآن آخر مع وجود هذه القرآن والتبديل لا يكون إلا مع وجوده وهو أن يبدل بعض آياته بغيرها كما طلبوه ولما سألوا رسول الله ﷺ أمره الله أن يجيبهم بقوله قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يعني أن هذا الذي طلبتموه من التبديل ليس إليّ وما ينبغي لي أن أغيره من قبل نفسي ولم أومر به إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعني فيما آمركم به أو أنهاكم عنه وما أخبركم إلا ما يخبرني الله به وإن الذي أتيتكم به هو من عند الله لا من عندي إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي: قل لهم يا محمد إني أخشى من الله