أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يعني وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنه لغير الله واختلف المفسرون في المعنى بهذه الآية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن الحسن مثله، وقال الضحاك: من عمل عملا صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا وهو أن يصل رحما أو يعطي سائلا أو يرحم مضطرا أو نحو هذا من أعمال البر فيجعل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما خوله ويدفع عنه المكاره في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار الآية وهذه حالة الكافر في الآخرة وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله ﷺ الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة وقيل إن حمل الآية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة قال مجاهد في هذه الآية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار ويدل على هذا ما روي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم ألف مرة قيل يا رسول الله من يدخله قال القراء المراؤون بأعمالهم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال البغوي وروينا أن النبي ﷺ قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله ﷺ وما الشرك الأصغر قال الرياء» أخرجه بغير سند والرياء هو أن يظهر الإنسان الأعمال الصالحة ليحمده الناس عليها أو ليعتقدوا فيه الصلاح أو ليقصدوه بالعطاء فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان قال البغوي وقيل هذا في الكفار يعني قوله من كان يريد الحياة وزينتها أما المؤمن فيريد الدنيا والآخرة وإرادته الآخرة غالبة فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وروينا عن أنس أن رسول الله ﷺ قال «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا» أخرجه البغوي بغير سند.
قوله سبحانه وتعالى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى: في الآية المتقدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى أفمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي ﷺ وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه ﷺ وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين: أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي ﷺ ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي ﷺ وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى: عنه أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله سبحانه وتعالى ويتلوه شاهد منه قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله ﷺ ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف


الصفحة التالية
Icon