قوله عز وجل: وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ يعني وعقبنا على آثار النبيين الذين أسلموا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ يعني أن عيسى عليه السلام كان مصدقا بأن التوراة منزلة من عند الله عزّ وجل وكان العمل بها واجبا قبل ورود النسخ عليها فإن عيسى عليه السلام نسخ بعض أحكام التوراة وخالفها وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ يعني فيه هدى من الجهالة وضياء من عمى البصيرة وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ هذا ليس بتكرار للأول لأن في الأول الإخبار بأن عيسى مصدق لما بين يديه من التوراة. وفي الثاني: الإخبار بأن الإنجيل مصدق للتوراة، فظهر الفرق بين اللفظين وأنه ليس بتكرار وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ إنما قال: وهدى مرة أخرى لأن الإنجيل يتضمن البشارة بمحمد ﷺ فيكون سببا لاهتداء الناس إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وأما كون الإنجيل موعظة، فلما فيه من المواعظ البليغة والزواجر والأمثال وإنما خص المتقين بالذكر لأنهم هم الذين ينتفعون بالمواعظ.
قوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قال أهل المعاني: قوله وليحكم يحتمل وجهين:
أحدهما أن يكون المعنى وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخبارا عما فرض عليهم في وقت إنزاله عليهم من الحكم بما تضمنه الإنجيل ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله وكتبنا وقفينا يدل عليه وحذف القول كثير.
والوجه الثاني: أن يكون قوله وليحكم ابتداء وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم وهو الإنجيل.
فإن قلت فعلى هذا الوجه كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن قلت: إن المراد بهذا الحكم الإيمان بمحمد ﷺ لأن ذكره في الإنجيل ووجوب التصديق بنبوته موجود فإذا آمنوا بمحمد ﷺ فقد حكموا بما في الإنجيل.
وقوله وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ يعني: فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله عز وجل.
قوله عز وجل: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ الخطاب للنبي ﷺ يعني وأنزلنا إليك يا محمد القرآن بِالْحَقِّ يعني بالصدق الذي لا شك فيه أنه من عند الله مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ يعني أن يصدق جميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ قال ابن عباس يعني شاهدا على الكتب التي قبله ومنه قول حسان:
إن الكتاب مهيمن لنبينا | والحق يعرفه ذوو الألباب |