والخير وهذا الأمر في قوله اعملوا فيه وعيد وتهديد عظيم ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: سَوْفَ تَعْلَمُونَ أينا الجاني على نفسه المخطئ في فعله.
فإن قلت أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في قوله سوف تعلمون.
قلت إدخال الفاء في قوله: فسوف تعلمون، وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ونزعها في قوله سوف تعلمون وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فما يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون يعني عاقبة ذلك فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلادة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه والمعنى سوف تعلمون مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني بسبب عمله السيء أو أينا الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ يعني فيما يدعيه وَارْتَقِبُوا يعني وانتظروا العاقبة ما يؤول إليه أمري وأمركم إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أي منتظر، والرقيب بمعنى المراقب.
[سورة هود (١١): الآيات ٩٤ الى ١٠١]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني بعذابهم وإهلاكهم نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بفضل منا بأن هديناهم للإيمان ووفقناهم للطاعة وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني ظلموا أنفسهم بالشرك والبخس الصَّيْحَةُ وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة فخرجت أرواحهم وماتوا جميعا، وقيل: أتتهم صيحة واحدة من السماء فماتوا جميعا فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يعني ميتين وهو استعارة من قولهم جثم الطير إذا قعد ولطأ بالأرض كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يعني كأن لم يقيموا بديارهم مدة من الدهر مأخوذ من قولهم غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنيا به عن غيره أَلا بُعْداً يعني هلاكا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ قال ابن عباس «لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد إلا قوم شعيب وقوم صالح فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم وأما قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم» قوله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا يعني بحججنا والبراهين التي أعطيناه الدالة على صدقه ونبوته وَسُلْطانٍ مُبِينٍ يعني ومعجزة باهرة ظاهرة دالة على صدقة أيضا قال بعض المفسرين المحققين سميت الحجة سلطانا لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه كالسلطان يقهر غيره، وقال الزجاج: السلطان هو الحجة وسمي السلطان سلطانا لأنه حجة الله في الأرض إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعني أتباعه وأشراف قومه فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ يعني ما هو عليه من الكفر وترك الإيمان بما جاءهم به موسى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعني وما طريق فرعون وما هو عليه بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ يعني كما تقدم قومه فأدخلهم البحر في الدنيا كذلك يتقدم قومه يوم القيامة فيدخلهم النار ويدخل هو أمامهم، والمعنى كما كان قدوتهم في الضلال والكفر في الدنيا فكذلك هو قدوتهم وإمامهم في النار وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ يعني: وبئس الدخل المدخول فيه وقيل شبه الله تعالى فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بمن يتقدم