[سورة يوسف (١٢): الآيات ٦ الى ٧]
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يعني يقول يعقوب ليوسف عليه الصلاة والسلام أي وكما رفع منزلتك بهذه الرؤيا الشريفة العظيمة كذلك يجتبيك ربك يعني يصطفيك ربك واجتباء الله تعالى العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي تحصل له منه أنواع الكرامات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء أو ببعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني به تعبير الرؤيا سمي تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه، يعني يعلمك تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتعبير الرؤيا. وقال الزجاج: تأويل أحاديث الأنبياء والأمم السالفة والكتب المنزلة.
وقال ابن زيد: يعلمك العلم والحكمة وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ يعني بالنبوة، قاله ابن عباس لأن منصب النبوة أعلى من جميع المناصب وكل الخلق دون درجة الأنبياء فهذا من إتمام النعمة عليهم، لأن جميع الخلق دونهم في الرتب والمناصب وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ المراد بآل يعقوب أولاده فإنهم كانوا أنبياء وهو المراد من إتمام النعمة عليهم كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ
بأن جعلهما نبيين وهو المراد من إتمام النعمة عليهما وقيل: المراد من إتمام النعمة على إبراهيم ﷺ بأن خلصه الله من النار واتخذه خليلا والمراد من إتمام النعمة على إسحاق بأن خلصه الله من الذبح وهذا على قول من يقول إن إسحاق هو الذبيح وليس بشيء والقول الأول هو الأصح بأن إتمام النعمة عليهما بالنبوة لأنه لا أعظم من منصب النبوة فهو من أعظم النعم على العبد إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ يعني بمصالح خلقه حَكِيمٌ يعني أنه تعالى لا يفعل شيئا إلا بحكمة، وقيل: إنه تعالى حكم بوضع النبوة في بيت إبراهيم ﷺ قال ابن عباس رضي الله عنهما كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصر واجتماعه بأبويه وإخوته أربعون سنة وهذا قول أكثر المفسرين، وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه.
قوله عز وجل: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ يعني في خبره وخبر إخوته وأسماؤهم روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوى ويهوذا وزبولون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان وهي ابنة خال يعقوب وولد يعقوب من سريتين اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة أربعة أولاد وأسماؤهم دان ونفتالي وجاد وآشر، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين فهؤلاء بنو ليعقوب وهم الأسباط، وعددهم اثنا عشر نفرا آياتٌ لِلسَّائِلِينَ وذلك أن اليهود لما سألوا رسول الله ﷺ عن قصة يوسف وقيل سألوه عن سبب انتقال ولد يعقوب من أرض كنعان إلى أرض مصر ذكر قصة يوسف مع إخوته فوجدوها موافقة لما في التوراة فعجبوا منه فعلى هذا تكون هذه القصة دالة على نبوة رسول الله ﷺ لأنه لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يجالس العلماء والأحبار، ولم يأخذ عن أحد منهم شيئا فدل ذلك على أن ما أتي به وحي سماوي وعلم قدسي أوحاه الله إليه وشرفه به، ومعنى آيات للسائلين أي عبرة للمعتبرين فإن هذه القصة تشتمل على أنواع من العبر والمواعظ والحكم ومنها رؤيا يوسف وما حقق الله فيها ومنها حسد إخوته له وما آل إليه أمرهم من الحسد ومنها صبر يوسف على إخوته وبلواه مثل إلقائه في الجب وبيعه عبدا وسجنه بعد ذلك وما آل إليه أمره من الملك ومنها ما تشتمل عليه من حزن يعقوب وصبره على فقد ولده وما آل إليه أمره من بلوغ المراد وغير ذلك من الآيات التي إذا فكر فيها الإنسان اعتبر واتعظ.
[سورة يوسف (١٢): الآيات ٨ الى ٩]
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩)