ابن عباس: يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالتي يعني أنه ﷺ لو ترك إبلاغ البعض كان كمن لم يبلغ شيئا مما أنزل الله إليه وحاشا رسول الله ﷺ أن يكتم شيئا مما أوحي إليه. روى مسروق عن عائشة قالت من حدثك أن رسول الله ﷺ كتم شيئا مما أنزل إليه فقد كذب؟ ثم قرأت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أخرجاه في الصحيحين بزيادة فيه.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ يعني يحفظك يا محمد ويمنعك منهم والمراد بالناس هنا الكفار فإن قلت أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد وقد أوذي بضروب من الأذى فكيف يجمع بين ذلك وبين قوله والله يعصمك من الناس.
قلت: المراد منه أنه يعصمه من القتل فلا يقدر عليه أحد أراده بالقتل ويدل على صحة ذلك ما روي عن جابر أنه غزى مع رسول الله ﷺ قبل نجد فلما قفل رسول الله ﷺ قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة فنزل رسول الله ﷺ وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله ﷺ تحت شجرة فعلق بها سيفه ونمنا معه نومة، فإذا رسول الله ﷺ يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال: إن هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا. فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله ثلاثا ولم يعاقبه وجلس.
وفي رواية أخرى «قال جابر كنا مع رسول الله ﷺ بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله ﷺ فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله ﷺ معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني؟. فقال: لا. فقال من يمنعك مني؟ قال: الله فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» أخرجاه في الصحيحين وزاد البخاري في رواية له: أن اسم ذلك الرجل غورث بن الحارث (ق).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سهر رسول الله ﷺ مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة قال: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة السلاح فقال من هذا؟ قال سعد بن أبي وقاص:
فقال له رسول الله ﷺ ما جاء بك؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله ﷺ فجئت أحرسه فدعا له رسول الله ﷺ ثم نام» وعن عائشة قالت «كان رسول الله ﷺ يحرس ليلا حتى نزلت «والله يعصمك من الناس» فأخرج رسول الله من القبة فقال لهم أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله» أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب. وقيل في الجواب عن هذا: إن هذه الآية نزلت بعد ما شج رأسه في يوم أحد لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا وقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ قال ابن عباس: معناه لا يرشد من كذبك وأعرض عنك. وقال ابن جرير الطبري: معناه إن الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبيل الحق وجار عن قصد السبيل وجحد ما جئت به من عند الله ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه.
قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ يعني: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى لستم على شيء من الدين الحق المرتضى عند الله ولستم على شيء مما تدعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى عليه السلام يا معشر اليهود ولا مما جاءكم به عيسى يا معشر النصارى فإنكم أحدثتم وغيّرتم.
قال ابن عباس: «جاء رسول الله ﷺ رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف وراتع بن حرملة.
قالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها حق، فقال رسول الله: ﷺ بلى: ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فأنا بريء من إحداثكم. قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الحق والهدى ولا نؤمن لك ولا نتبعك فأنزل الله: