أظهر الإسلام مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبعة: أبو بكر وخباب وصهيب وبلال وعمار وأبوه ياسر وأمه سمية فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله من أذى المشركين بعمه أبي طالب وأما أبو بكر، فمنعه قومه وعشيرته وأخذ الآخرون، وألبسوا أدراع الحديد وأجلسوا في حر الشمس بمكة، فأما بلال فكانوا يعذبونه وهو يقول أحد أحد حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه وقتل ياسر وسمية كما تقدم. وقال خباب: لقد أوقدوا لي نارا ما أطفأها إلا ودك ظهري.
وأجمعوا على أن من أكره على الكفر لا يجوز له أن يتلفظ بكلمة تصريحا بل يأتي بالمعاريض، وبما يوهم أنه كفر، فلو أكره على التصريح يباح له ذلك بشرط طمأنينة القلب على الإيمان غير معتقد، ما يقوله من كلمة الكفر ولو صبر حتى قتل كان أفضل لأن ياسرا وسمية قتلا ولم يتلفظا بكلمة الكفر، ولأن بلالا صبر على العذاب ولم يلم على ذلك. قال العلماء: من الأفعال ما يتصور الإكراه عليها كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، والميتة ونحوها فمن أكره بالسيف أو القتل على أن يشرب الخمر أو يأكل الميتة أو لحم الخنزير أو نحوها، جاز له ذلك لقوله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وقيل: لا يجوز له ذلك ولو صبر كان أفضل، ومن الأفعال ما لا يتصور الإكراه عليه كالزنا لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد، وذلك يمنع انتشار الآلة فلا يتصور فيه الإكراه واختلف العلماء في طلاق المكره، فقال الشافعي رضي الله تعالى عنه وأكثر العلماء: لا يقع طلاق المكره. وقال أبو حنيفة: يقع. حجة الشافعي ومن وافقه قوله سبحانه وتعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ولا يمكن أن يكون المراد نفي ذاته، لأن ذاته موجودة فوجب حمله على نفي آثاره والمعنى أنه لا أثر له ولا عبرة به، وقوله تعالى وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فيه دليل على أن محل الإيمان هو القلب وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً يعني فتحه ووسعه لقبول الكفر واختاره ورضي به فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني في الآخرة ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ يعني يكون ذلك الإقدام على الارتداد إلى الكفر، لأجل أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ يعني لا يرشدهم إلى الإيمان ولا يوفقهم للعمل به أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ تقدم تفسيره وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ يعني عما يراد بهم من العذاب في الآخرة وهو قوله سبحانه وتعالى لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ يعني أن الإنسان إنما يعمل في الدنيا، ليربح في الآخرة فإذا دخل النار بان خسرانه وظهر غبنه لأنه ضيع رأس ماله، وهو الإيمان ومن ضيع رأس ماله فهو خاسر. قوله عز وجل ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا يعني عذبوا ومنعوا من الدخول في الإسلام فتنهم المشركون ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا على الإيمان والهجرة والجهاد إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعني من بعد الفتنة التي فتنوها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة، وكان أخا أبي جهل من الرضاعة، وقيل كان أخاه لأمه وفي أبي جندل بن سهيل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام وعبد الله ابن أسد الثقفي فتنهم المشركون، وعذبوهم فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ثم إنهم بعد ذلك هاجروا وجاهدوا. وقال الحسن وعكرمة: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرح كان قد أسلم، وكان يكتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم فاستزله الشيطان، فارتد ولحق بدار الحرب فلما كان يوم فتح مكة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتله فاستجاره عثمان، وكان أخاه لأمه فأجاره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم وحسن إسلامه وهذا القول إنما يصح إذا قلنا: إن هذه الآية مدنية نزلت بالمدينة فتكون من الآيات المدنيات في السور المكيات، والله أعلم بحقيقة ذلك قوله سبحانه وتعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها يعني تخاصم وتحتج عن نفسها أي بما أسلفت من خير وشر، واشتغلت بالمجادلة لا تتفرغ إلى غيرها. فإن قلت: النفس هي نفس واحدة، وليس لها نفس أخرى فما معنى قوله كل نفس تجادل عن نفسها؟ قلت: إن النفس قد يراد بها بدن الإنسان، وقد يراد بها مجموع ذاته وحقيقته فالنفس الأولى هي مجموع ذات الإنسان وحقيقته والنفس الثانية، هي بدنه فهي عينها وذاتها أيضا، والمعنى: يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته، ولا يهمه غيره ومعنى هذه المجادلة الاعتذار بما لا يقبل منه كقولهم والله ربنا ما كنا مشركين،