الحسن: الله هو الحق وكل دعاء إليه دعوة الحق. فإن قلت: ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبلهما. قلت:
أما على قصة أربد فظاهر لأن إصابته بالصاعقة كانت بدعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه دعا عليه وعلى صاحبه عامر بن الطفيل فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق، وأما على قوله وهم يجادلون في الله فوعيد للكفار على مجادلتهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإجابة دعائه إن دعا عليهم. وقيل في معنى الآية: الدعاء بالإخلاص، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله تعالى وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني والذين يدعونهم آلهة من دون الله، وهي الأصنام التي يعبدونها لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ
يعني لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرر إن دعوهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ يعني إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه، ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب دعاءه أو يبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم. وقيل: شبههم في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فيبسطهما ناشرا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئا، ولم يبلغ طلبته من شربه وقيل إن القابض على الماء ناشرا أصابعه لا يكون في يده منه شيء، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء كذلك الذي يدعو الأصنام لأنها لا تضر ولا تنفع ولا يفيده منها شيء. وقيل شبه: بالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد بعينيه، فهو يشير بكفيه إلى الماء ويدعوه بلسانه فلا يأتيه أبدا هذا معنى قول مجاهد، وعن عطاء كالعطشان الجالس على شفير البئر وهو يمد يديه إلى البئر فلا هو يبلغ إلى قعر البئر ليخرج الماء، ولا الماء يرتفع إليه فلا ينفعه بسطه الكف إلى الماء ودعاؤه له، ولا هو يبلغ فاه كذلك الذي يدعون الأصنام لا ينفعهم ذلك. وقال ابن عباس: كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما من الماء ولا يبلغ الماء فاه مادام باسط كفيه، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار ودعائهم الأصنام حين لا ينفعهم البتة ثم ختم هذا بقوله وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ يعني أصنامهم إِلَّا فِي ضَلالٍ يعني يضل عنهم إذا احتاجوا إليه، قال ابن عباس في هذه الآية أصواتهم محجوبة عن الله تعالى. قوله عز وجل وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً في معنى هذا السجود قولان: أحدهما أن المراد منه السجود على الحقيقة وهو وضع الجبهة على الأرض، ثم على هذا القول ففي معنى الآية وجهان أحدهما أن اللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد منه الخصوص، فقوله: ولله يسجد من في السموات يعني الملائكة ومن في الأرض من الإنس يعني المؤمنين طوعا وكرها، يعني من المؤمنين من يسجد لله طوعا وهم المؤمنون المخلصون لله العبادة، وكرها يعني المنافقين الداخلين في المؤمنين وليسوا منهم فان سجودهم لله على كره منهم، لأنهم لا يرجون على سجودهم ثوابا ولا يخافون على تركه عقابا بل سجودهم وعبادتهم خوف من المؤمنين. الوجه الثاني: هو حمل اللفظ على العموم، وعلى هذا ففي اللفظ إشكال، وهو أن جميع الملائكة والمؤمنين من الجن والإنس يسجدون لله طوعا، ومنهم من يسجد كرها كما تقدم وأما الكفار من الجن والإنس، فلا يسجدون لله البتة فهذا وجه الإشكال. والجواب عنه أن المعنى أنه يجب على كل من في السموات ومن في الأرض أن يسجد لله، فعبر بالوجوب عن الوقوع والحصول. وجواب آخر وهو أن يكون المراد من هذا السجود هو الاعتراف بالعظمة والعبودية، وكل من في السموات من ملك ومن في الأرض من إنس وجن، فإنهم يقرون لله بالعبودية والتعظيم ويدل عليه قوله تعالى «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله». والقول الثاني: في معنى هذا السجود هو الانقياد والخضوع وترك الامتناع فكل من في السموات والأرض ساجد لله بهذا المعنى، وهذا الاعتبار لأن قدرته ومشيئته نافذة في الكل فهم خاضعون مناقدون له. وقوله تعالى وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ الغدوة والغداة أول النهار، وقيل: إلى نصف النهار والغدو بالضم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والآصال جمع أصل، وهو العشية والآصال العشايا
جمع عشية وهي ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. قال المفسرون:
إن ظل كل شخص يسجد لله ظل المؤمن والكافر. وقال مجاهد: ظل المؤمن يسجد لله طوعا وهو طائع وظل