قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط. قال: فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعدا كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني به نفسه صلّى الله عليه وسلّم فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد يا محمد هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه فالتفّت إليه فبدأني بالسلام» (ق) عن جابر أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لما كذبتني قريش قمت إلى الحجر فجلى الله إلي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه زاد البخاري في رواية: لما كذبني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس» وذكر الحديث (م) عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، فإذا هو قائم يصلي في قبره. عن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل كذا بإصبعه فخرق به الحجر وشد به البراق» أخرجه الترمذي. فإن قلت: كيف رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موسى يصلي في قبره وكيف صلى بالأنبياء في بيت المقدس ثم وجدهم على مراتبهم في السموات، وسلموا عليه وترحبوا به وكيف تصح الصلاة من الأنبياء بعد الموت، وهم في الدار الآخرة؟ قلت أما صلاته صلّى الله عليه وسلّم بالأنبياء في بيت المقدس يحتمل أن الله سبحانه وتعالى، جمعهم له ليصلي بهم ويعرفوا فضله وتقدمه عليهم ثم إن الله سبحانه وتعالى، أراه إياهم في السموات على مراتبهم ليعرف هو مراتبهم وأما مروره بموسى، وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، فيحتمل أنه كان بعد رجوعه من المعراج، وأما صلاة الأنبياء وهم في الدار الآخرة فهم في حكم الشهداء بل أفضل منهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء فالأنبياء أحياء بعد الموت، وأما حكم صلاتهم فيحتمل أنها الذكر والدعاء وذلك من أعمال الآخرة فإن الله تعالى قال دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وورد في الحديث أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، ويحتمل أن الله سبحانه وتعالى خصّهم بخصائص في الآخرة كما خصهم في الدنيا بخصائص لم يخص بها غيرهم. منها أنه صلّى الله عليه وسلّم أخبر أنه رآهم يلبون، ويحجون، فكذلك الصلاة والله أعلم بالحقائق. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٢ الى ٤]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤)
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا يعني وقلنا لهم: لا تتخذوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا يعني ربا كفيلا ذُرِّيَّةَ يعني يا ذرية مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً يعني أن نوحا كان كثير الشكر، وذلك أنه كان إذا أكل طعاما أو شرب شرابا أو لبس ثوبا قال: الحمد لله فسماه الله عبدا شكورا لذلك. قوله عز وجل وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ: يعني أعلمناهم وأخبرناهم فيما آتيناهم من الكتاب أنهم سيفسدون وهو قوله تعالى لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وقال ابن عباس: وقصينا عليهم في الكتاب فإلى بمعنى على، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ واللام في لتفسدن لام القسم تقديره والله لتفسدن في الأرض يعني بالمعاصي والمراد بالأرض أرض الشام، وبيت المقدس وَلَتَعْلُنَّ يعني ولتستكبرن ولتظلمن الناس عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني أولى المرتين قيل: إفسادهم في المرة الأولى هو ما خالفوا من أحكام التوراة، وركبوا من المحارم وقيل: إفسادهم في المرة الأولى قتلهم شعياء في الشجرة وارتكابهم المعاصي


الصفحة التالية
Icon