الله إلى أرمياء، أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمي وعرفهم بأحداثهم. فقال أرمياء: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخذول إن لم تنصرني قال الله تعالى: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي وأن القلوب والألسنة بيدي، أقلبها كيف شئت إني معك، ولن يصل إليك شيء معي فقام أرمياء فيهم، ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة، وعقاب المعصية وقال في آخرها: عن الله عز وجل حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم، ولأسلطن عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم، ثم أوحى الله إلى أرمياء أني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث من أهل بابل فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا، يقذفه في بيت المقدس ففعلوا ذلك حتى ملؤوه. ثم أمرهم أن يجمعوا من بلدان بيت المقدس كلهم، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبي، فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم، قالت له الملوك الذين كانوا معه: أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل، فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان، وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق ثلثا أقرهم بالشام وثلثا سباهم وثلثا قتلهم وذهب باناث بيت المقدس، وبالصبيان السبعين ألفا حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الأولى التي أنزل الله عز وجل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٥ الى ٧]
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني بختنصر وأصحابه، ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا عجيبة إذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذي رأى، فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا ومشائيل وكانا من ذراري الأنبياء، وسألهم عنها فقالوا: أخبرنا بها نخبرك بتأويلها فقال: ما أذكرها ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم فخرجوا من عنده، فدعوا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم الله بالذي سألهم عنه فجاؤوه فقالوا: رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب، ورأسه وعنقه من حديد قال: صدقتم قالوا: فبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقته فهي التي أنستكها قال: صدقتم فما تأويلها قالوا: تأويلها أنك رأيت الملوك بعضهم كان ألين ملكا، وبعضهم، كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشد ملكا، والفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من الفضة، وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما قبله، والصخرة التي رأيت أرسل الله من السماء، فدقته فنبي يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه، ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصر: أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين سألناك أن تعطيناهم ففعلت فإنا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا، لقد رأينا نساءنا انصرفت وجوههن عنا إليهم فأخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم فقال شأنكم بهم فمن أحب منكم أن يقتل من كان في يده، فليفعل فلما قربوهم للقتل بكوا وتضرعوا إلى الله عز وجل، وقالوا: يا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم الله أن يحييهم فقتلوا إلا من كان منهم مع بختنصر