المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير فَتَقْعُدَ مَلُوماً أي عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده، وقيل ملوما عند نفسك وأصحابك أيضا يلومونك على تضييع المال بالكلية وقيل: يلومك سائلوك على الإمساك إذا لم تعطهم مَحْسُوراً أي منقطعا لا شيء عندك تنفقه وقيل: محسورا أي نادما على ما فرط منك. ثم سلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما كان يرهقه من الإضافة بأن ذلك ليس لهوان بك عليه ولا لبخل منه عليك فقال تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ أي يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي يقتر ويضيق، وذلك لمصلحة العباد إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوال جميع عباده، وما يصلحهم فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل بل لأجل رعاية مصالح العباد. قوله عز وجل وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ أي فاقة وفقر نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ وذلك أن أهل الجاهلية، كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة أو يخافون عليهم من النهب والغارات، أو أن ينكحوهن لغير أكفاء لشدة الحاجة وذلك عار شديد عندهم فنهاهم الله عن قتلهن وقال نحن نرزقهم وإياكم، يعني أن الأرزاق بيد الله فكما أنه فتح أبواب الرزق على الرجال فكذلك يفتحه على النساء إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً أي إثما
كبيرا وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي قبيحة زائدة على حد القبح وَساءَ سَبِيلًا أي بئس طريقا طريقه، وهو أن تغصب امرأة غيرك أو أخته أو بنته من غير سبب والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه الله تعالى قيل: إن الزنا يشتمل على أنواع من المفاسد منها المعصية وإيجاب الحد على نفسه، ومنها اختلاط الأنساب فلا يعرف الرجل ولد من هو ولا يقوم أحد بتربيته وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل وذلك يوجب خراب العالم. قوله عز وجل وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الأصل في القتل هو الحرمة المغلظة، وحل القتل إنما ثبت بسبب عارض، فلما كان كذلك نهى الله عن القتل على حكم الأصل ثم استثنى الحالة التي يحصل فيها حل القتل، وهي الأسباب العرضية فقال إلا بالحق أي إلا بإحدى ثلاث كما روي عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة». أخرجاه في الصحيحين وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً
أي قوة وولاية على القاتل بالقتل وقيل: سلطانه هو أنه يتخير فإن شاء استقاد منه وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أي الولي قال ابن عباس: لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل أشرف منه. وقيل معناه إذا كان القتيل واحدا فلا يقتل به جماعة بل بواحد وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا فلا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه، وقيل معناه أن لا يمثل بالقاتل إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قيل الضمير راجع للمقتول ظلما يعني أنه منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله، وقيل:
الضمير راجع إلى ولي المقتول معناه: إنه كان منصورا على القاتل باستيفاء القصاص منه أو الدية وقيل في قوله:
فلا يسرف في القتل أراد به القاتل المتعدي بالقتل بغير الحق فإنه إن فعل ذلك فولي القتيل منصور عليه باستيفاء القصاص منه. قوله سبحانه وتعالى وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي الطريقة التي هي أحسن، وهي تنميته وحفظه عليه حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وهو بلوغ النكاح والمراد ببلوغ الأشد كمال عقله ورشده بحيث يمكنه القيام بمصالح ماله، وإلا لم ينفك عنه الحجر وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أي الإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهي عنه وقيل: أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أي عنه وقيل مطلوبا وقيل: العهد يسأل فيقال فيم نقضت كالموءودة تسأل فيم قتلت. قوله عز وجل وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ المراد منه إتمام الكيل وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ قيل هو الميزان صغيرا كان أو كبيرا، من ميزان الدراهم إلى ما هو أكبر منه وقيل:
هو القبان قيل هو رومي وقيل: سرياني والأصح أنه عربي مأخوذ من القسط وهو العدل، أي وزنوا بالعدل المستقيم، واعلم أن التفاوت الحاصل بسبب نقصان الكيل والوزن قليل والوعيد الحاصل عليه شديد عظيم،