وَكانَ لَهُ أي لصاحب البستان ثَمَرٌ قرئ بالفتح جمع ثمرة وقرئ بالضم وهو الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف من الذهب والفضة وغيرهما فَقالَ يعني صاحب البستان لِصاحِبِهِ يعني المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ أي يخاطبه أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً أي عشيرة ورهطا وقيل خدما وحشما وَدَخَلَ جَنَّتَهُ يعني الكافر آخذا بيد أخيه المؤمن يطوف به فيها ويريه إياها وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي بكفره فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث فقال وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي كائنة وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي فإن قلت كيف قال ولئن رددت إلى ربي وهو منكر للبعث قلت معناه ولئن رددت إلى ربي على ما نزعم من أن الساعة آتية لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً أي يعطيني هناك خيرا منها لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها قالَ لَهُ صاحِبُهُ يعني المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ أي خلق أصلك من تراب لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقا له ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي عداك بشرا سويا وكملك إنسانا ذكرا بالغ مبلغ الرجال لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي مجازه لكن أنا هو الله ربي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَلَوْلا أي هلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها ما شاء الله اعترافا بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله تعالى وفضله وأن أمرها بيده وأنه إن شاء تركها عامرة وإن شاء تركها خرابا لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي وقلت لا قوة إلا بالله إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها بمعونة الله وتأييده ولا أقدر على حفظ مالي ودفع شيء عنه إلا بالله. روي عن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء لا قوة إلا بالله الحائط البستان إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً أي لأجل ذلك تكبرت علي وتعظمت فَعَسى رَبِّي أي فلعل ربي أَنْ يُؤْتِيَنِ أي يعطيني خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ يعني في الآخرة وَيُرْسِلَ عَلَيْها أي على جنتك حُسْباناً قال ابن عباس: نارا، وقيل مرامي مِنَ السَّماءِ وهي الصواعق فتهلكها فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقيل رملا هائلا أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً غائرا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً يعني إن طلبته لم تجده وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ يعني أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها من السماء نارا فأهلكها وغار ماؤها فَأَصْبَحَ يعني صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ يصفق بكف على كف ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا عَلى ما أَنْفَقَ فِيها المعنى فأصبح يندم على ما أنفق في عمارتها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ساقطة سقوفها وقيل إن كرومها المعرشة سقطت عروشها في الأرض وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً يعني أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ أي جماعة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي يمنعونه من عذاب الله وَما كانَ مُنْتَصِراً أي ممتنعا لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل معناه لا يقدر على رد ما ذهب منه. قوله سبحانه وتعالى هُنالِكَ الْوَلايَةُ قرئ بكسر الواو يعني السلطان في القيامة لِلَّهِ الْحَقِّ وقرئ بفتحها من الموالاة والنصرة، يعني أنهم يتولونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون من دونه في الدنيا هُوَ خَيْرٌ ثَواباً أي أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب وَخَيْرٌ عُقْباً يعني عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)


الصفحة التالية
Icon