الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ اختلف العلماء في تفسير طوبى فقال ابن عباس: فرح لهم وقرة أعين. وقال عكرمة: نعمى لهم. وقال قتادة: حسن لهم وفي رواية أخرى، عنه إن هذه الكلمة عربية يقول الرجل للرجل: طوبى لك أي أصبت خيرا. وقال إبراهيم النخعي خير لهم وكرامة. وقال الزجاج: طوبى من الطيب وقيل تأويلها الحال المستطابة لهم وهو كل ما استطابه هؤلاء في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا ذل وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم. قال الأزهري: تقول طوبى لك وطوباك لحن لا تقوله العرب وهو قول أكثر النحويين.
وقال سعيد بن جبير: طوبى اسم الجنة بالحبشية وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة وأبي الدرداء أن طوبى اسم شجرة في الجنة تظلل الجنان كلها. وقال عبيد ابن عمير: هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي كل دار وغرفة في الجنة منها غصن لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منه إلا السواد ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل. وقال مقاتل: كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله بأنواع التسبيح وروي عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن طوبى فقال: «هي شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه. قال: «طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة» هكذا ذكر البغوي هذين الحديثين بغير سند، وروي بسنده موقوفا عن أبي هريرة قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرءوا إن شئتم وظل ممدود» فبلغ ذلك كعب الأحبار فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى والقرآن على محمد لو أن رجلا ركب فرسا أو حقة أو جذعة، ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما إن الله غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة، وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة. فقال البغوي وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن الأشعث عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: «إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى يقول الله لها تفتقي لعبدي عما يشاء فتفتق له عن فرس مسرجة بلجامها وهيئتها كما يشاء وتفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما يشاء وعن الثياب» (ق) عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» (ق) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها» (ق) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة» زاد البخاري في روايته «واقرءوا إن شئتم وظل ممدود».
وقوله تعالى وَحُسْنُ مَآبٍ يعني ولهم حسن منقلب ومرجع ينقلبون ويرجعون إليه في الآخرة وهي الجنة. قوله عز وجل: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ يعني كما أرسلناك يا محمد إلى هذه الأمة كذلك أرسلنا أنبياء قبلك إلى أمم قد خلت ومضت لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني لتقرأ على أمتك الذي أوحينا إليك من القرآن وشرائع الدين وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قال قتادة ومقاتل وابن جريج: هذه الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء للصلح واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: «اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقالوا: لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب كما نكتب باسمك اللهم فهذا معنى قوله وهم يكفرون بالرحمن يعني أنهم ينكرونه ويجحدونه والمعروف أن الآية مكية. وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في الحجر يدعو ويقول في دعائه: «يا


الصفحة التالية
Icon