من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدد والكثرة، وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل له آلة كل فدان أتان لكل أتان من الولد اثنان أو ثلاثة أو أربع أو خمس وفوق ذلك، وكان الله تعالى قد أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعمهم ويكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وكان شاكرا لأنعم الله، مؤديا لحق الله قد امتنع عن عدو الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرة والغفلة والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من أمر الدنيا، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وصدقوه: رجل من أهل اليمن يقال له النغر وقيل نغير، ورجلان من أهل بلده يقال لأحدهما تلدد والآخر صافر وكان لهؤلاء مال، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات، وكان يقف فيهن حيثما أراد حتى رفع الله عيسى فحجب عن أربع. فلما بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم حجب عن السموات كلها إلا من استرق السمع، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه، فأدرك إبليس الحسد والبغي، فصعد سريعا حتى وقف من السماء حيث كان يقف وقال: إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك، ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج عن طاعتك، قال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ماله. فانقض عدو الله إبليس حتى وقع على الأرض فجمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وقال لهم: ماذا عندكم من القوة فقد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا تصبر عليها الرجال.
فقال عفريت من الشياطين: أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار فأحرق كل شيء آتي عليه قال إبليس: اذهب فأت الإبل ورعاتها، فأتى الإبل حين وضعت رؤوسها ورعت فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار فأحرق الإبل ورعاتها حتى أتى على آخرها، ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قيم ممن كانوا عليها على قعود إلى أيوب فوجده قائما يصلي فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك وأحرقتها ومن فيها غيري، فقال أيوب بعد أن فرغ من الصلاة: الحمد لله هو أعطانيها وهو أخذها، وإنها مال الله أعارنيها وهو أولى بها، إذا شاء نزعها. قال فتركت الناس مبهوتين يتعجبون منها، منهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور، ومنهم من يقول: لو كان إله أيوب يقدر أن يمنع شيئا لمنع وليه، ومنهم من يقول: بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت به عدوه ويفجع صديقه، فقال أيوب: الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى التراب وعريانا أحشر إلى الله عز وجل، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته، الله أولى بك وبما أعطاك، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لنقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فأخرك. فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ذليلا فقال: ما عندكم من القوة فاني لم أكلم قلبه. قال عفريت من الجن عندي من القوة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعها ذو روح إلا خرجت روحه. قال إبليس: فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى توسطها ثم صاح صيحة فتجثمت أمواتا من عند آخرها ومات رعاتها، فجاء إبليس متمثلا بقهرمان الرعاء إلى أيوب فوجده يصلي فقال له مثل القول الأول، فرد عليه أيوب مثل الرد الأول، فرجع إبليس إلى أصحابه فقال: ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب، فقال عفريت: عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفة تنسف كل شيء تأتي عليه. قال: فأت الفدادين في الحرث والزرع فانطلق يؤمهم وذلك حين شرع الفدادون في الحرث والزرع فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصفة فنسفت كل شيء من ذلك، حتى كأنه لم يكن ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمانهم إلى أيوب وهو قائم يصلي، فقال له مثل قوله الأول، فرد عليه أيوب مثل رده الأول، وجعل إبليس يصف ماله مالا مالا حتى مر على آخره كلما انتهى إلى هلاك مال من أمواله حمد الله وأحسن الثناء عليه، ورضي عنه بالقضاء، ووطن نفسه بالصبر والبلاء حتى لم يبق له مال.