فرسه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلّا شرا فينقلب عن دينه وذلك هو الفتنة فأنزل الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أي على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه نحو حرف الجبل والحائط الذي غير مستقر فقيل للشاك في الدين أنه يعبد الله على حرف لأنه لم يدخل فيه على الثبات والتمكن.
وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم على سكينة وطمأنينة ولو عبدوا الله بالشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف وقيل هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قبل فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ أي صحة في جسمه وسعة في معيشته اطْمَأَنَّ بِهِ أي رضي به وسكن إليه وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ أي بلاء في جسمه وضيق في معيشته انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ أي ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ أي خسر في الدنيا العز والكرامة ولا يبقى دمه وماله مصونا.
وقيل خسر في الدنيا ما كان يؤمل والآخرة بذهاب الدين والخلود في النار ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ أي الظاهر يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ إن عصاه ولم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ أي إن أطاعه وعبده ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ أي عن الحق والرشد يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فإن قلت قد قال الله تعالى في الآية الأولى يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ وقال في هذه الآية يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ وهذا تناقض فكيف الجمع بينهما. قلت إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى قال في الآية الأولى: ما لا يضره أي لا يضره ترك عبادته وقوله لمن ضره أي ضر عبادته وقيل: إنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها سبب الضرر وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها وقيل: إن الله تعالى سفه الكافر حيث عبد جمادا لا يضر ولا ينفع وهو يعتقد بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع وقيل الآية في الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم لأنه يصح منهم أن يضروا وينفعوا وحجة هذا القول أن الله تعالى بين في الآية الأولى أنّ الأوثان لا تضر ولا تنفع وهذه الآية تقتضي كون المذكور فيها ضارا نافعا، فلو كان المذكور في هذه الأوثان لزم التناقض فثبت أنهم الرؤساء بدليل قوله لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ أي الناصر والمصاحب المعاشر. قوله عزّ وجلّ:
[سورة الحج (٢٢): الآيات ١٤ الى ١٨]
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ أي بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة وبأهل معصيته من الهوان قوله تعالى مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ يعني نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم فِي الدُّنْيا أي بإعلاء كلمته وإظهار دينه وَالْآخِرَةِ أي وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام ممن كذبه فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ أي بحبل إِلَى السَّماءِ أي سقف البيت على قول الأكثرين والمعنى ليشدّد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ثُمَّ لْيَقْطَعْ أي الحبل بعد الاختناق وقيل ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ أي صنيعه وحيلته ما يَغِيظُ أي فليختنق غيظا. وليس هذا على سبيل