سُلْطانٍ
يعني من ولاية وقهر، وقيل: لم آتيكم بحجة فيما وعدتكم به إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ هذا استثناء منقطع معناه لكن دعوتكم فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ يعني ما كان مني إلا الدعاء وإلقاء الوسوسة، وقد سمعتم دلائل الله وجاءتكم الرسل فكان من الواجب عليكم أن لا تلتفوا إليّ ولا تسمعوا قولي فلما رجحتم قولي على الدلائل الظاهرة كان اللوم بكم أولى بإجابتي، ومتابعتي من غير حجة ولا دليل ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ يعني بمغيثكم ولا منقذكم وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ يعني بمغيثيّ ولا منقذيّ مما أنا فيه إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ يعني كفرت بجعلكم إياي شريكا له في عبادته وتبرأت من ذلك والمعنى أن إبليس جحد ما يعتقده الكفار فيه، من كونه شريكا لله وتبرأ من ذلك إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ روى البغوي بسنده عن عقبة بن عامر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث الشفاعة، وذكر الحديث إلى قوله «فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني، ويجعل لي نورا من رأسي إلى ظهر قدمي. ثم يقول الكفار: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه، فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ثم تعظم جهنم، ويقول عند ذلك: إن الله وعدكم وعد الحق الآية. وقوله تعالى:
[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ٢٣ الى ٢٧]
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧)
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لما شرح الله عز وجل حال الكفار الأشقياء بما تقدم من الآيات الكثيرة، شرح أحوال المؤمنين السعداء، وما أعد لهم في الآخرة من الثواب العظيم الجزيل، وذلك أن الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم والمنفعة الخالصة إليها الإشارة دائمة بقوله:
وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، وكونها دائمة أشير إليه بقوله خالِدِينَ فِيها والتعظيم حصل من وجهين أحدهما قوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ لأن تلك المنافع إنما كانت تفضلا من الله بإنعامه الثاني قوله تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ فيحتمل أن بعضهم يحيي بعضا بهذا الكلمة أو الملائكة تحييهم بها أو الرب سبحانه وتعالى يحييهم، ويحتمل أن يكون المراد أنهم لما دخلوا الجنة سلموا من جميع الآفات لأن السلام مشتق من السلامة. قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لما شرح الله عز وجل أحوال الأشقياء وأحوال السعداء، ضرب مثلا فيه حكم هذين القسمين فقال تعالى: ألم تر أي بعين قلبك فتعلم علم يقين بإعلامي إياك فعلى هذا يحتمل أن يكون الخطاب فيه للنبي صلّى الله عليه وسلّم ويدخل معه غيره فيه ويحتمل أن يكون الخطاب فيه لكل فرد من الناس، فيكون المعنى ألم تر أيها الإنسان كيف ضرب الله مثلا يعني بين شبها، والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر، بينهما مشابهة ليتبين أحدهما من الآخر ويتصور. وقيل: هو قول سائر لتشبيه شيء بشيء آخر كَلِمَةً طَيِّبَةً هي قول لا إله إلا الله في قول ابن عباس وجمهور المفسرين: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ يعني كشجرة طيبة الثمرة وقال ابن عباس: هي النخلة. وبه قال ابن مسعود وأنس ومجاهد وعكرمة والضحاك (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أخبروني عن شجرة شبه الرجل أو قال كالرجل المسلم لا يتحات ورقها تؤتي أكلها كل حين» قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا