والأصح أنه أسم رجل وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد جاء في الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن سبأ فقال: رحل له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة بِنَبَإٍ أي بخبر يَقِينٍ فقال سليمان وما ذاك فقال:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٢٣ الى ٢٨]
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧)
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)
إِنِّي أي الهدهد وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ هي بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكا هو آخرهم، وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفؤا لي وأبى أن يتزوج منهم فخطب إلى الجن فزوجوه منهم امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن. قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب منهم، أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجن، وهم على صورة الظباء فيخلي عنهم فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا، فخطب ابنته فزوجه إياها وقيل إنه خرج متصيدا فرأى حيتين يقتتلان بيضاء وسوداء، وقد ظهرت السوداء على البيضاء، فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت، وأطلقها فلما رجع إلى داره وجلس وحده منفردا، فإذا معه شاب جميل فخاف منه، قال: لا تخف أنا الحية البيضاء التي أحييتني والأسود الذي قتلته هو عبد لنا تمرد علينا، وقتل عدة منا وعرض عليه المال فقال: المال لا حاجة لي به. ولكن إن كان لك بنت فزوجنيها فزوجه ابنته، فولدت له بلقيس وجاء في الحديث «إن أحد أبوي بلقيس كان جنيا: فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك وطلبت قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وأبى آخرون، وملكوا عليهم رجلا آخر يقال: إنه ابن أخي الملك وكان خبيثا سيء السيرة في أهل مملكته، حتى كان يمد يده إلى حريم رعيته، ويفجر بهن فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك، أدركتها الغيرة فأرسلت إليه فعرضت نفسها عليه فأجابها الملك وقال: ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لأنك كفؤ كريم، فاجمع رجال أهلي واخطبني منهم، وخطبها فقالوا لا نراها تفعل فقال: بلى إنها قد رغبت فيّ فذكروا ذلك لها فقالت: نعم فزوجوها منه فلما زفت إليه خرجت في ملأ كثير من خدمها وحشمها، فلما دخلت به سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت إلى منزلها من الليل، فلما أصبحت أرسلت إلى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته، ثم أرتهم إياه قتيلا وقالت اختاروا رجلا تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا وخديعة منها (خ) عن أبي بكرة قال لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال «لن يفلح قوم ملكوا عليهم امرأة». قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يعني ما تحتاج إليه الملوك من المال والعدة وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ أي سرير ضخم عال. فإن قلت: كيف استعظم الهدهد عرشها على ما رأى من عظمة ملك سليمان. قلت: يحتمل أنه استعظم ذلك بالنسبة إليها، ويحتمل أنه لم يكن لسليمان مع عظم ملكه مثله وكان عرش بلقيس من الذهب مكللا بالدر، والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، وقوائمه من الياقوت والزمرد، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق قال ابن عباس: كان عرش


الصفحة التالية
Icon