فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
يعني ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ يعني أمهلنا مدة يسيرة قال بعضهم: طلبوا الرجوع إلى الدنيا حتى يؤمنوا فينفعهم ذلك وهو قوله تعالى نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ فأجيبوا بقوله أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ يعني في دار الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ يعني ما لكم عنها انتقال ولا بعث ولا نشور.
[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم من كفار الأمم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ يعني وقد عرفتم كيف كان عقوبتنا إياهم وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ يعني الأمثال التي ضربها الله عز وجل في القرآن ليتدبروها، ويعتبروا بها فيجب على كل من شاهد أحوال الماضين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، وعلم ما جرى لهم وكيف أهلكوا أن يعتبر بهم، ويعمل في خلاص نفسه من العقاب والهلاك. قوله سبحانه وتعالى وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ اختلفوا في الضمير إلى من يعود في قوله، وقد مكروا فقيل يعود إلى الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، وهذا القول صحيح لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور وقيل: إن المراد بقوله وقد مكروا كفار قريش الذين مكروا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومكرهم ما ذكره الله تعالى بقوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية والمعنى وأنذر الناس يا محمد، يوم يأتيهم العذاب يعني بسبب مكرهم بك. وقوله تعالى وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ يعني جزاء مكرهم وقيل إن مكرهم مثبت عند الله ليجازيهم به يوم القيامة وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ يعني وإن كان مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال وقيل: معناه إن مكرهم لا يزيل أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي هو ثابت كثبوت الجبال وقد حكي عن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قولا آخر: وهو أنها نزلت في نمرود الجبار الذي حاجّ إبراهيم في ربه فقال نمرود: إن كان ما يقول إبراهيم حقا فلا أنتهي حتى أصعد إلى السماء فأعلم ما فيها فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور فرباهن حتى كبرت وشبت، واتخذ تابوتا من خشب وجعل له بابا من أعلى وبابا من أسفل ثم جوع النسور ونصب خشبات أربعا في أطراف التابوت وجعل على رؤوس تلك الخشبات لحما أحمر وقعد هو في التابوت، وأقعد معه رجلا آخر، وأمر بالنسور فربطت في أطراف التابوت من أسفل فجعلت النسور كلما رأت اللحم رغبت فيه، وطارت إليه فطارت النسور يوما أجمع حتى بعدت في الهواء فقال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربنا منها ففتح ونظر فقال له إن السماء كهيئتها فقال له: افتح الباب الأسفل فانظر إلى الأرض كيف تراها ففعل فقال: أرى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان. قال: فطارت النسور يوما آخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران فقال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأعلى ففعل فإذا السماء كهيئتها، وفتح الباب الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة فنودي أيها الطاغي أين تريد؟ قال عكرمة: وكان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب وأخذ معه الترس، ورمى بسهم فعاد إليهم السهم ملطخا بدم سمكة قذفت بنفسها من بحر في الهواء وقيل إن طائرا أصابه السهم فلما رجع إليهم السهم ملطخا بالدم قال كفيت إله السماء ثم أمر نمرود صاحبه أن يصوب الخشبات إلى أسفل، وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفيق التابوت والنسور ففزعت، وظنت أنه قد حدث حدث من السماء إن الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها،