قلوب الكفار فقالوا قوله: كذلك نسلكه أي كذلك نسلك الباطل، والضلال في قلوب المجرمين وقالت المعتزلة لم يجر للضلال، والكفر ذكر فيما قيل هذا اللفظ فلا يمكن أن يكون الضمير عائد إليه، وأجيب عنه بأنه سبحانه وتعالى قال: ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون فالضمير في قوله كذلك نسلكه عائد إليه، والاستهزاء بالأنبياء كفر وضلال فثبت صحة قولنا: إن المراد من قوله كذلك نسلكه في قلوب المجرمين، أنه الكفر والضلال. قوله تعالى لا يُؤْمِنُونَ بِهِ بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل بالقرآن وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ فيه وعيد وتهديد لكفار مكة، يخوفهم أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأمم الماضية المكذبة للرسل، والمعنى وقد مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسل من الأمم الماضية فاحذروا يا أهل مكة أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ يعني ولو فتحنا على هؤلاء الذين قالوا: لو ما تأتينا بالملائكة بابا من السماء فظلوا. يقال: ظل فلان يفعل كذا إذا فعله بالنهار، كما يقل بات يفعل كذا إذا فعله بالليل فيه يعني في ذلك الباب يعرجون يعني يصعدون، والمعارج المصاعد وفي المشار إليه بقوله: فظلوا به يعرجون قولان:
أحدهما أنهم الملائكة وهو قول ابن عباس والضحاك، والمعنى: لو كشف عن أبصار هؤلاء الكفار فرأوا بابا من السماء مفتوحا والملائكة تصعد فيه لما آمنوا. والقول الثاني: أنهم المشركون وهو قول الحسن وقتادة والمعنى:
فظل المشركون يصعدون في ذلك الباب فينظرون في ملكوت السموات، وما فيها من الملائكة لما آمنوا لعنادهم وكفرهم، ولقالوا إنا سحرنا وهو قوله تعالى: لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا قال ابن عباس: سدت أبصارنا مأخوذ من سكر النهر إذا حبس، ومنع من الجري وقيل: هو من سكر الشراب والمعنى أن أبصارهم حارت، ووقع بها من فساد النظر مثل ما يقع للرجل السكران من تغيير العقل، وفساد النظر وقيل سكرت يعني غشيت أبصارنا وسكنت عن النظر، وأصله من السكور يقال سكرت عينه إذا تحيرت، وسكنت عن النظر بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ يعني سحرنا محمد، وعمل فينا سحره. وحاصل الآية أن الكفار لما طلبوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن ينزل عليهم الملائكة فيروهم عيانا، ويشهدوا بصدقه أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لو حصل لهم هذا وشاهدوه عيانا لما أمنوا ولقالوا سحرنا لما سبق لهم في الأزل من الشقاوة. قوله سبحانه وتعالى وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً يعني البروج التي تنزلها الشمس في مسيرها واحدها برج، وهي بروج الفلك الاثنا عشر برجا وهي:
الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. وهذه البروج مقسومة على ثمانية وعشرين منزلا لكل برج منزلان وثلث منزل، وقد تقدم ذكر منازل القمر في تفسير سورة يونس، وهذه البروج مقسومة على ثلاثمائة وستين درجة لكل برج منها ثلاثون درجة تقطعها الشمس في كل سنة مرة، وبها تتم دورة الفلك ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يوما، قال ابن عباس في هذه الآية يريد بروج الشمس والقمر، يعني منازلهما وقال ابن عطية: هي قصور في السماء عليها الحرس. وقال الحسن ومجاهد وقتادة: هي النجوم العظام. قال أبو إسحاق يريدون نجوم هذه البروج، وهي نجوم على ما صورت به. وسميت وأصل هذا كله من الظهور وَزَيَّنَّاها يعني السماء بالشمس والقمر والنجوم لِلنَّاظِرِينَ يعني المعتبرين المستدلين بها على وحيد خالقها، وصانعها وهو الله الذي أوجد كل شيء وخلقه وصوره وَحَفِظْناها يعني السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ أي مرجوم فعيل بمعنى مفعول، وقيل: ملعون مطرود من رحمة الله. قال ابن عباس: كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها، ويأتون بأخبارها إلى الكهنة فيلقونها إليهم، فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلّى الله عليه وسلّم، منعوا من السموات أجمع فما منهم من أحد يريد أن يسترق السمع إلا رمي بشهاب فلما منعوا من تلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس فقال: لقد حدث في الأرض حدث فبعثهم ينظرون فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلو القرآن فقالوا: هذا والله حدث.