بعضهم بما له بعضا بالملك وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعني الجنة خَيْرٌ يعني للمؤمنين مِمَّا يَجْمَعُونَ أي يجمع الكفار من الأموال لأن الدنيا على شرف الزوال والانقراض وفضل الله ورحمته يبقى أبد الآبدين.
قوله عز وجل: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي لولا أن يصيروا كلهم كفارا فيجتمعون على الكفر ويرغبون فيه إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيت الكفار أكثر الأسباب المفيدة للتنعم وهو قوله تعالى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ يعني مصاعد ودرجات من فضة عَلَيْها يَظْهَرُونَ يصعدون ويرتقون عليها وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً أي من فضة وَسُرُراً أي ولجعلنا لهم سررا من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً أي ولجعلنا من ذلك زخرفا وهو الذهب وقيل الزخرف الزينة من كل شيء وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني أن الإنسان يستمتع بذلك قليلا ثم ينقضي لأن الدنيا سريعة الزوال والذهاب وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ يعني الجنة خاصة للمتقين الذين تركوا الدنيا.
عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لو كانت الدنيا عند الله تزن جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وعن المستورد بن شداد جد بني فهر قال «كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا من هوانها ألقوها يا رسول الله قال فإن الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا أحبّ الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
[سورة الزخرف (٤٣): الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ أي يعرض عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ أي فلم يخف عقابه ولم يرد ثوابه وقيل يول ظهره عن القرآن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نسبب له شيطانا ونضمه إليه ونسلطه عليه فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ يعني لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى وَإِنَّهُمْ يعني الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني يمنعونهم عن الهدى وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ يعني ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى حَتَّى إِذا جاءَنا يعني الكافر وحده وقرئ جاءنا على التثنية يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة قالَ الكافر لقرينه الشيطان يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر القمران ولأبي بكر وعمر العمران، وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والقول الأول أصح فَبِئْسَ الْقَرِينُ يعني الشيطان قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ يعني أشركتم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف عنكم شيئا، لأن كل واحد من الكفار والشياطين له الحظ الأوفر من العذاب وقيل لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر.