رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك» فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل وقل له يأكل منه. ففعل عداس ذلك ثم أقبل بالطبق حتى وضعه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال له: كل. فلما رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده قال: بسم الله ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟ فقال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي. فأكبّ عداس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبل رأسه ويديه وقدميه قال فقال أحد ابني ربيعة: أما غلامك، فقد أفسده عليك. فلما جاءهم عداس قال له: ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل. لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي. فقال له: ويحك يا عداس لا يصرفك عن دينك فإن دينك خير من دينه ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان ببطن نخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن نصيبين كانوا قاصدين اليمن وذلك حين منعوا من استراق السمع من السماء ورموا بالشهب فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين وقد آمنوا به وأجابوا لما سمعوا القرآن فقص الله خبرهم عليه فقال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ وفي الآية قول آخر وسيأتي في سورة الجن وهو حديث مخرج في الصحيحين من حديث ابن عباس. وروي أن الجن لما رجموا بالشهب بعث إبليس سراياه ليعرف الخبر فكان أول بعث بعث من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة. وقال أبو حمزة: بلغنا أنهم من بني الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس فلما رجعوا إلى قومهم قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا وقال جماعة: بل أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله عز وجل إليه نفرا من الجن وهم من أهل نينوى وجمعهم له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله بن مسعود لم يحضر معه أحد غيري قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل نبي الله صلّى الله عليه وسلّم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك فانطلق حتى قام عليهم فافتتح القرآن فجعلت أرى مثال النسور تهوي وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلّى الله عليه وسلّم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى لا أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم مع الفجر فانطلق إليّ فقال لي نمت فقلت: لا والله يا رسول الله لقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول لهم اجلسوا فقال: لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ثم قال: هل رأيت شيئا؟ قلت: نعم رأيت رجالا سودا عليهم ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألوني المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يستنجي بالعظم والروث قال: فقلت يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم؟ فقال: إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت: يا رسول الله سمعت لغطا شديدا فقال إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليّ فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأتاني فقال لهم معك ماء؟ قلت: يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ وقال: تمرة طيبة وماء طهور.