ثمامة قال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أطلقوا ثمامة. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والله ما كان على الأرض أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي. والله ما كان من دين أبغض من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» لفظ مسلم بطوله واختصره البخاري عن عمران بن حصين قال «أسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففداه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالرجلين للذين أسرتهما ثقيف» أخرجه الشافعي في مسنده وأخرجه مسلم وأبو داود بلفظ أطول من هذا.
وقوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها يعني أثقالها وأحمالها والمراد أهل الحرب يعني حتى يضعوا أسلحتهم ويمسكوا عن القتال وأصل الوزر: ما يحمله الإنسان فسمى الأسلحة وزرا لأنها تحمل. وقيل: الحرب هم المحاربون مثل الشرب والركب. وقيل: الأوزار الآثام. ومعناه: حتى يضع المحاربون أوزارهم بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله. وقيل: معناه حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا. ومعنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام وجاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر متى الدجال» هكذا ذكره البغوي بغير سند قال الكلبي معناه حتى يسلموا أو يسالموا. قال الفراء: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم ذلِكَ يعني الذي ذكر وبين من حكم الكفار وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ يعني ولو شاء الله لأهلكهم بغير قتال وكفاكم أمرهم وَلكِنْ يعني ولكن أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ يعني فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني الشهداء وقرئ قاتلوا وهم المجاهدون في سبيل الله فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ يعني فلن يبطلها بأن يوفيهم ثواب أعمالهم التي عملوها لله تعالى قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في يوم أحد وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ٥ الى ٧]
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)
سَيَهْدِيهِمْ يعني أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور في الآخرة إلى الدرجات العلي وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ويرضي أعمالهم ويقبلها وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ يبين لهم منازلهم في الجنة حتى اهتدوا إلى مساكنهم لا يخطئونها ولا يستدلون عليها كأنهم ساكنوها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ومنزله وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا هذا قول أكثر المفسرين. ونقل عن ابن عباس عرفها لهم طيبها لهم من العرف وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يعني تنصروا دين الله ورسوله وقيل: تنصروا أولياء الله وحزبه يَنْصُرْكُمْ يعني على عدوكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ يعني عند القتال وعلى الصراط.