[سورة محمد (٤٧): الآيات ٢٧ الى ٣٢]
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني فكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ذلِكَ يعني ذلك الضرب بِأَنَّهُمُ يعني بسبب أنهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ يعني ترك الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال ابن عباس: بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ يعني كرهوا ما فيه رضوان الله عز وجل وهو الإيمان والطاعة والجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ التي عملوها من أعمال البر لأنها لم تكن لله ولا بأمره أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق وهم المنافقون أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ يعني يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرف المؤمنون نفاقهم واحدها ضغن وهو الحقد الشديد. وقال ابن عباس: حسدهم وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ لما قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ فكأن قائلا قال لم لم يخرج أضغانهم ويظهرها فأخبر تعالى أنه إنما أخر ذلك لمحض المشيئة لا لخوف منهم فقال تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ لا مانع لنا من ذلك. والإراءة بمعنى التعريف والعمل. وقوله: فَلَعَرَفْتَهُمْ لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة الحقيقية كما يقال: عرفته فلم يعرف فكان المعنى هنا عرفناكهم تعريفا تعرفهم به ففيه إشارة إلى قوة ذلك التعريف الذي لا يقع معه اشتباه وقوله بِسِيماهُمْ يعني بعلامتهم أي نجعل لك علامة تعرفهم بها. قال أنس: ما خفي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين وكان يعرفهم بسيماهم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني في معنى القول وفحواه ومقصده وللحن معنيان صواب وخطأ صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا محمود من حيث البلاغة ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فلعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» وإليه قصد بقوله وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وأما اللحن المذموم فظاهر وهو صرف الكلام عن الصواب إلى الخطأ بإزالة الإعراب أو التصحيف. ومعنى الآية: وإنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضون به من القول من تهجين أمرك وأمر المسلمين وتقبيحه والاستهزاء به فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ونفاقه ثم قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ يعني أعمال جميع عباده فيجازي كلّا على قدر عمله.
قوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني ولنعاملنكم معاملة المختبر فإن الله تعالى عالم بجميع الأشياء قبل كونها ووجودها حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ يعني إنا نأمركم بالجهاد حتى يظهر المجاهد ويتبين من يبادر منكم ويصبر عليه من غيره لأن المراد من قوله: حتى نعلم، أي علم الوجود والظهور وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يعني نظهرها ونكشفها ليتبين من يأتي القتال ولا يصبر على الجهاد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ يعني خالفوه فيما أمرهم به من الجهاد وغيره مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى يعني من بعد ما ظهر لهم أدلة الهدى وصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني إنما يضرون أنفسهم بذلك والله تعالى منزه عن ذلك وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ يعني وسيبطل أعمالهم فلا يرون لها ثوابا في الآخرة لأنها لم تكن لله تعالى قال ابن عباس:
هم المطعمون يوم بدر.