كائن لا محالة. وقال أكثر المفسرين: إن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية وهو الأصح، وهو رواية عن أنس.
ومعنى الفتح: فتح المغلق المستصعب وكان الصلح مع المشركين يوم الحديبية مستصعبا متعذرا حتى فتحه الله عز وجل ويسره وسهله بقدرته ولطفه. عن البراء قال: تغدون أنتم الفتح فتح مكة ولقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها ولم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا وماشيتنا وركابنا. وقال الشعبي في قوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: فتح الحديبية وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس وقال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم فأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، فعز الإسلام بذلك وأكرم الله عز وجل رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله عز وجل: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قيل اللام في قوله ليغفر لك الله لام كي والمعنى فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة بالفتح، وقال الحسن بن الفضل: هو مردود إلى قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات» وقال ابن جريج: هو راجع إلى قوله في سورة النصر وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك. وقيل: إن الفتح لم يجعل سببا للمغفرة ولكن لاجتماع ما قدر له من الأمور الأربعة المذكورة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز. كأنه قال: يسرنا لك الفتح ونصرناك على عدوك وغفرنا لك ذنبك وهديناك صراطا مستقيما ليجتمع لك عز الدارين وأغراض العاجل والآجل. وقيل: يجوز أن يكون الفتح سببا للغفران لأنه جهاد للعدو وفيه الثواب والمغفرة مع الظفر بالعدو والفوز بالفتح. وقيل: لما كان هذا الفتح سببا لدخول مكة والطواف بالبيت، كان ذلك سببا للمغفرة. ومعنى الآية: ليغفر لك الله جميع ما فرط منك ما تقدم من ذنبك يعني قبل النبوة وما تأخر، يعني بعدها وهذا على قول ما يجوز الصغائر على الأنبياء. وقال عطاء الخراساني: ما تقدم من ذنبك يعني من ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك، وما تأخر من ذنوب أمتك بدعائك لهم. وقال سفيان الثوري: ما تقدم من ذنبك مما كان منك قبل النبوة، وما تأخر يعني كل شيء لم تعمله ويذكر مثل هذا على طريق التأكيد كما تقول: أعط من تراه ومن لم تره واضرب من لقيت ومن لم تلقه فيكون المعنى: ما وقع لك من ذنب وما لم يقع فهو مغفور لك. وقيل المراد منه ما كان من سهو وغفلة، وتأول لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن له ذنب كذنوب غيره فالمراد بذكر الذنب هنا ما عسى أن يكون وقع منه من سهو ونحو ذلك لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين فسماه ذنبا فما كان من هذا القبيل وغيره فهو مغفور له فأعلمه الله عز وجل بذلك وإنه مغفور له ليتم نعمته عليه وهو قوله تعالى: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ يعني بالنبوة وما أعطاك من الفتح والنصر والتمكين وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً يعني ويهديك إلى صراط مستقيم وهو الإسلام ويثبتك عليه والمعنى ليجمع لك من الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم وهو الإسلام. وقيل: معناه ويهدي بك إلى صراط مستقيم وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً يعني غالبا ذا عز ومنعة وظهور على الأعداء وقد ظهر النصر بهذا الفتح المبين وحصل الأمن بحمد الله تعالى.
فإن قلت: وصف الله تعالى النصر بكونه عزيزا والعزيز هو المنصور صاحب النصر فما معناه؟.
قلت: معناه ذا عزة كقوله عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي ذات رضا. وقيل: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا. يقال: هذا كلام صادق كما يقال متكلم صادق. وقيل: معناه نصرا عزيزا صاحبه فحذف