ومن أتاه من المسلمين لم يردوه وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم ثلاثة أيام ولا يدخلها بجلباب السلاح السيف والقوس ونحوه.
وروى ثابت عن أنس أن قريشا صالحوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فاشترطوا أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا: يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال: نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا.
(رجعنا إلى حديث الزهري) قال بينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد انفلت وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا: يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: فأجره لي. قال: ما أنا بمجيره لك. قال: بلى فافعل. قال: ما أنا بفاعل. ثم جعل سهيل يجره ليرده إلى قريش. فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت، وكان قد عذب في الله عذابا شديدا، وفي الحديث، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا أبا جندل احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك في المستضعفين فرجا ومخرجا إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وإنا لا نغدر، فوثب عمر إلى جنب أبي جندل وجعل يقول:
اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون ودم أحدهم دم كلب ويدني السيف منه.
قال عمر: ورجوت أن يأخذ السيف فيضربه به فضن الرجل بأبيه وقد كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رأوا ذلك، دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون وزادهم أمر أبي جندل شرّا إلى ما بهم.
قال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ قال الزهري في حديثه عن مروان والمسور وروى أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطاب فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلنا: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل. قال: بلى. قلت: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. قال: بلى. قلت:
فلم نعط الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أولست كنت تحدثنا إنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه وتطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى.
قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرك أنه آتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك تأتيه وتطوف به. قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ من قضية الكتاب. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم أحد منهم قام النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. قالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم منهم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ونحر بدنة ودعا حالقا فحلقه، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما قال ابن عمر وابن عباس: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله المحلقين. قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: يرحم المحلقين. قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: يرحم الله المحلقين والمقصرين قالوا: يا رسول الله فلم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين. قال: لأنهم لم يشكوا.


الصفحة التالية
Icon