[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٢٨ الى ٢٩]

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ هذا البيان صدق الرؤيا وذلك أن الله تعالى لا يرى رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما لا يكون فيحدث الناس فيقع خلافه فيكون سببا للضلال فحقق الله أمر الرؤيا بقوله: «لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق» وبقوله «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق» وفيه بيان وقوع الفتح ودخول مكة وهو قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي يعليه ويقويه على الأديان كلها فتصير الأديان كلها دونه وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً أي في أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيه تسلية لقلوب المؤمنين وذلك أنهم تأذوا من قول الكفار لو نعلم أنه رسول الله ما صددناه عن البيت فقال الله تعالى: وكفى بالله شهيدا. أي: في أنه رسول الله، ثم قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أي هو محمد رسول الله الذي سبق ذكره في قوله أرسل رسوله. قال ابن عباس: شهد له بالرسالة ثم ابتدأ فقال وَالَّذِينَ مَعَهُ يعني أصحابه المؤمنين أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ أي غلاظ أقوياء كالأسد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ أي: متعاطفون متوادّون بعضهم لبعض كالولد مع الوالد. كما قال في حقهم: «أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين» تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها يَبْتَغُونَ أي يطلبون فَضْلًا مِنَ اللَّهِ يعني الجنة وَرِضْواناً أي أن يرضى عنهم. وفيه لطيفة وهو أن المخلص بعمله لله يطلب أجره من الله تعالى والمرائي بعمله لا يبتغي له أجرا وذكر بعضهم في قوله: والذين معه يعني أبا بكر الصديق أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان تراهما ركعا سجدا علي بن أبي طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا بقية الصحابة سِيماهُمْ أي علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ واختلفوا في هذه السيما على قولين: أحدهما: أن المراد في يوم القيامة قيل: هي نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة أنهم سجدوا لله في الدنيا وهي رواية عن ابن عباس. وقيل: تكون مواضع السجود في وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقيل: يبعثون غرا محجلين يوم القيامة يعرفون بذلك. والقول الثاني: إن ذلك في الدنيا وذلك أنهم استنارت وجوههم بالنهار من كثرة صلاتهم بالليل. وقيل: هو السمت الحسن والخشوع والتواضع.
قال ابن عباس: ليس بالذي ترون ولكنه سيما الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه. والمعنى: أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن يعرفون به وقيل هو صفوة الوجه من سهر الليل ويعرف ذلك في رجلين أحدهما سهر الليل في الصلاة والعبادة والآخر في اللهو واللعب فإذا أصبحا ظهر الفرق بينهما فيظهر في وجه المصلي نور وضياء وعلى وجه اللاعب ظلمة. وقيل: هو أثر التراب على الجباه لأنهم كانوا يصلّون على التراب لا على الأثواب. قال عطاء الخراساني: دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ يعني ذلك الذي ذكر صفتهم في التوراة وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ بذكر نعتهم وصفتهم في الإنجيل فقال تعالى: وَمَثَلُهُمْ أي صفتهم فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي إفراطه قبل فراخه. قيل: هو نبت فما خرج بعده شطؤه فَآزَرَهُ أي: قوّاه وأعانه وشد أزره فَاسْتَغْلَظَ أي غلظ ذلك الزرع وقوي فَاسْتَوى أي تم وتلاحق نباته وقام عَلى سُوقِهِ جمع ساق أي على أصوله يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ أي يعجب ذلك الزرع زراعة وهو مثل ضربه الله عز وجل لأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم مكتوب في الإنجيل أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال


الصفحة التالية
Icon