عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله تعالى يوم القيامة» والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
(فصل في حكم قتال البغاة) قال العلماء: في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ويدل عليه ما روي عن علي بن أبي طالب، وهو القدوة في قتال أهل البغي، وقد سئل عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم؟ فقال: لا إنهم من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا. والباغي في الشرع: هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ونصبوا لهم إماما فالحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على البغي قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته. ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم نادى منادي على يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يقتل أسير ولا يذفف على جريح، وهو بذال معجمة، وهو الإجهاز على الجريح وتحرير قتله وتتميمه. وأتي علي يوم صفين بأسير فقال:
لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس ومال فلا ضمان عليها قال ابن شهاب كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالا.
أما من لم تجتمع فيه هذه الشروط الثلاثة: بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماما، فلا يتعرض لهم إذا لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين فإن فعلوا ذلك فهم كقطاع الطريق في الحكم.
وروي أن عليا سمع رجلا يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا الله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل.
لكم علينا ثلاثة: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.
[سورة الحجرات (٤٩): آية ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية نزلت في ثلاثة أسباب: السبب الأول: من أولها إلى قوله خيرا منهم. قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة، أخذ أصحابه مجالسهم فظل كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد وكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قائما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخطى رقاب الناس ثم يقول: تفسحوا تفسحوا. فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبينه وبينه رجل فقال: تفسح. فقال له الرجل: أصبت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت خلفه مغضبا، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال: من هذا؟ قال أنا فلان. قال له ثابت: ابن فلانة وذكر أما له كان يعيّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيا فأنزل الله هذه الآية.