وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم وكانوا يستهزئون بفقراء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوه من رثاثة حالهم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم. أي: لا يستهزئ غني بفقير ولا مستور عليه ذنبه بمن لم يستر ولا ذو حسب بلئيم وأشباه ذلك مما ينتقصه به ولعله عند الله خير منه وهو قوله تعالى: عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ السبب الثاني قوله: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي لا يستهزئ نساء من نساء عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيرن أم سلمة بالقصر. وعن ابن عباس: «أنها نزلت في صفية بنت حيي قال لها بعض نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: يهودية بنت يهوديين. عن أنس: بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم إنك لابنة نبي وعمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفتخر عليك ثم قال: اتقي الله يا حفصة» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
والسبب الثالث قوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ عن أبي جبيرة بن الضحاك وهو أخو ثابت بن الضحاك الأنصاري قال: فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة «قدم علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم فأنزل الله هذه الآية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أخرجه أبو داود وفي الترمذي قال «كان الرجل منا يكون له اسمان وثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره قال فنزلت هذه الآية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.»
قال الترمذي: حديث حسن. قوله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يعيب بعضكم بعضا ولا يطعن بعضكم في بعض. والمراد بالأنفس، الإخوان هنا. والمعنى: لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم، فإذا عاب عائب أحدا بعيب، فكأنه عاب نفسه. وقيل: لا يخلو أحد من عيب فإذا عاب غيره فيكون حاملا لذلك على عيبه فكأنه هو العائب لنفسه ولا تنابزوا بالألقاب أي لا تدعوا الإنسان بغير ما سمي به. وقال ابن عباس: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله. وقيل: هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر. قيل: كان الرجل اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه: يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك. وقيل: هو أن تقول لأخيك يا كلب يا حمار يا خنزير. وقال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يفيد ذما له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك فلا بأس بها إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدا ومدحا تكون حقا وصدقا فلا يكره كما قيل لأبي بكر: عتيق، ولعمر: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين ولعلي: أبو تراب ولخالد سيف الله ونحو ذلك بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أي بئس الاسم أن تقولوا له يا يهودي أو يا نصراني بعد ما أسلم أو يا فاسق بعد ما تاب وقيل معناه أن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق وَمَنْ لَمْ يَتُبْ أي من ذلك كله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي: الضارون لأنفسهم بمعصيتهم ومخالفتهم. وقيل: ظلموا الذين قالوا لهم ذلك.
[سورة الحجرات (٤٩): آية ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ قيل: نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدمهما إلى المنزل