من مال اليتيم مع كونه من الكبائر. وكذلك لو دل الكفار على عورة المسلمين مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته فإن تسببه إلى هذه المفسدة أعظم من توليه يوم الزحف بغير عذر مع كونه من الكبائر وكذلك لو كذب على إنسان كذبا يعلم أنه يقتل بسببه. ولو كذب على إنسان كذبا يعلم أنه يؤخذ منه ثمرة بسبب كذبه لم يكن ذلك من الكبائر.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه الكبيرة: كل ذنب كبر وعظم عظما بحيث يصح معه أنه يطلق عليه اسم الكبيرة ويوصف بكونه عظيما على الإطلاق فهذا حد الكبيرة ولها أمارات منها الحد ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة ومنها ما وصف فاعلها بالفسق أو يضاف إليه اللعن كلعن الله من غير منار الأرض ونحو ذلك والله أعلم.
وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ قال ابن عباس: لمن فعل ذلك ثم تاب وأناب.
وروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس قالا: لا كبيرة في الإسلام أي لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار معناه أن الكبيرة أيضا تمحى بالاستغفار والتوبة والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار وقيل في حد الإصرار هو أن يتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالاته بذنبه وتم الكلام على قوله إن ربك واسع المغفرة ثم ابتدأ فقال تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ أي قبل أن يخلقكم وهو قوله: إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني خلق أباكم آدم من التراب وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ جمع جنين فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ سمي جنينا لاستتاره في بطن أمه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ قال ابن عباس: لا تمدحوها. وقال الحسن: علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبرئوها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال. وقيل في معنى الآية: هو أعلم بكم أيها المؤمنون علم حالكم من أول خلقكم إلى آخر يومكم فلا تزكوا أنفسكم رياء وخيلاء ولا تقولوا لمن لم تعرفوا حقيقته أنا خير منك أو أنا أزكى منك أو أتقى منك فإن العلم عند الله وفيه إشارة إلى وجوب خوف العاقبة فإن الله يعلم عاقبة من هو على التقوى وهو قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى يعني بمن بر وأطاع وأخلص العمل وقيل في معنى الآية فلا تزكوا أنفسكم يعني لا تنسبوها إلى زكاء العلم وزيادة الخير والطاعات وقيل لا تنسبوها إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب أبيكم آدم وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم. قيل: نزلت من ناس كانوا يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فأنزل الله فيهم هذه الآية. قوله عز وجل:
[سورة النجم (٥٣): الآيات ٣٣ الى ٣٦]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي صلّى الله عليه وسلّم على دينه فغيره بعض المشركين وقالوا: أتركت دين الأشياخ وضللت. قال: إني خشيت عذاب الله فضمن له الذي عاتبه إن أعطاه كذا من ماله ورجع إلى الشرك أن يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى للذي عيره بعض الذي ضمن له من المال ومنعه تمامه فأنزل الله أفرأيت الذي تولى يعني أدبر وأعرض عن الإيمان وَأَعْطى يعني لصاحبه الذي عيره قَلِيلًا وَأَكْدى أي بخل بالباقي. وقيل: أعطى قليلا يعني من الخير بلسانه وأكدى يعني قطعه وأمسك ولم يعم بالعطية.
وقيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأمور.
وقيل: نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: وأعطى