العباس قميصا ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قميصه ليكفن فيه فلم يبق له في الآخرة حسنة يثاب عليها. وقيل: ليس للإنسان إلا ما سعى هو من باب العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وكرمه وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى أي يراه في ميزانه يوم القيامة وفيه بشارة للمؤمن وذلك أن الله تعالى يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ويحزن الكافر بأعماله الفاسدة فيزداد غما ثُمَّ يُجْزاهُ أي السعي الْجَزاءَ الْأَوْفى أي الأتم والأكمل. والمعنى: أن الإنسان يجزى جزاء سعيه الجزاء الأوفى. قوله عز وجل:
[سورة النجم (٥٣): الآيات ٤٢ الى ٤٧]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧)
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي إليه منتهى الخلق ومصيرهم إليه في الآخرة وهو مجازيهم بأعمالهم وفي المخاطب بهذا وجهان أحدهما أنه عام تقديره وأن إلى ربك أيها السامع أو العاقل كائنا من كان المنتهى فهو تهديد بليغ للمسيء وحث شديد للمحسن ليقلع المسيء عن إساءته ويزداد المحسن في إحسانه الوجه الثاني أن المخاطب بهذا النبي صلّى الله عليه وسلّم فعلى هذا، ففيه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى: لا تحزن فإن إلى ربك المنتهى. وقيل. في معنى الآية: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال. وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال لا فكرة في الرب.
وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعا: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة». ومعناه: لا فكرة في الرب أي انتهى الأمر إليه لأنك إذا نظرت إلى سائر الموجودات الممكنة علمت أن لا بد لها من موجد وإذا علمت أن موجدها هو الله تعالى فقد انتهى الأمر إليه فهو إشارة إلى وجوده ووحدانيته سبحانه وتعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أي هو القادر على إيجاد الضدين في محل واحد الضحك والبكاء ففيه دليل على أن جميع ما يعمله الإنسان فبقضاء الله وقدره وخلقه حتى الضحك والبكاء وقيل أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار قيل أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقيل: أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء عن جابر بن سمرة قال «جلست مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم معهم إذا ضحكوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وفي رواية سماك بن حرب: فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم. وسئل ابن عمر: هل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل (ق).
عن أنس قال: «خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فغطى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجوههم لهم خنين» وهو بالخاء المعجمة أي بكاء مع صوت يخرج من الأنف وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أي أمات في الدنيا وأحيا للبعث. وقيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء. وقيل:
أمات الكافر بالنكرة وأحيا المؤمن بالمعرفة وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي من كل حيوان وهو أيضا من جملة المتضادات التي تتوارد على النطفة فيخلق بعضها ذكرا وبعضها أنثى وهذا شيء لا يصل إليه فهم العقلاء ولا يعلمونه وإنما هو بقدرة الله تعالى وخلقه لا بفعل الطبيعة مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى أي تصب في الرحم. وقيل:
تقدر. وفي هذا تنبيه على كمال قدرته، لأن النطفة شيء واحد خلق الله منها أعضاء مختلفة وطباعا متباينة وخلق منها الذكر والأنثى وهذا من عجيب صنعته وكمال قدرته ولهذا لم يؤكده بقوله وأنه هو خلق لأنه لم يدع أحد إيجاد نفسه ولا خلقها ولا خلق غيره كما لم يقدر أحد أن يدعي خلق السموات والأرض وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ


الصفحة التالية
Icon