تتفاضل فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
[سورة الحديد (٥٧): الآيات ١١ الى ١٣]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أي صادقا محتسبا بالصدقة طيبة بها نفسه وسمي هذا الإنفاق قرضا من حيث إنه وعد به الجنة تشبيها بالقرض قال بعض العلماء القرض لا يكون حسنا حتى تجمع فيه أوصاف عشرة وهي أن يكون المال من الحلال وأن يكون من أجود المال وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها وأن تكتم الصدقة ما أمكنك وأن لا تتبعها بالمن والأذى وأن تقصد بها وجه الله ولا ترائي بها الناس وأن تستحقر ما تعطي وتتصدق به وإن كان كثيرا وأن يكون من أحب أموالك إليك وأن لا ترى عز نفسك وذل الفقير فهذه عشرة أوصاف إذا اجتمعت في الصدقة كانت قرضا حسنا، فَيُضاعِفَهُ لَهُ يعني يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا، وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ يعني وذلك الأجر كريم في نفسه.
قوله عز وجل: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يعني على الصراط يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ أي عن أيمانهم وقيل أراد جميع الجوانب فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة، وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه» وقال عبد الله بن مسعود يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتي نوره كالنخلة ومنهم من يؤتي نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا من نوره على إبهامه فيطفأ مرة ويوقد مرة وقيل في معنى الآية يسعى نورهم بين أيديهم أي يعطون كتبهم بأيمانهم وتقول لهم الملائكة بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا أي انتظرونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أي نستضيء من نوركم قيل تغشى الناس ظلمة شديدة يوم القيامة فيعطي الله المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأت نور المنافقين فذلك قوله تعالى يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين وقيل بل يستضيئون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون بقوا في الظلمة وقالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم، قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ قال ابن عباس يقول لهم المؤمنون وقيل يقول لهم الملائكة ارجعوا وراءكم من حيث جئتم وقيل ارجعوا إلى الدنيا فاعملوا فيها أعمالا يجعلها الله لكم نورا وقيل معناه لا نور لكم عندنا فارجعوا وراءكم فَالْتَمِسُوا أي اطلبوا لأنفسكم هناك نُوراً أي لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين فذلك قوله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ أي المؤمنين والمنافقين بِسُورٍ وهو حائط بين الجنة والنار لَهُ أي لذلك السور بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ أي من قبل ذلك الظاهر العذاب وهو النار وروي عن عبد الله بن عمر قال إن السور الذي ذكر في القرآن هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم وقال ابن شريح كان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الآية.


الصفحة التالية
Icon