[سورة الحديد (٥٧): الآيات ١٤ الى ١٥]
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)يُنادُونَهُمْ يعني ينادي المنافقون المؤمنين من وراء ذلك السور حين حجز بينهم وبقوا في الظلمة أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ أي في الدنيا نصلي ونصوم قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة وَتَرَبَّصْتُمْ أي بالإيمان والتوبة وقيل تربصتم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وَارْتَبْتُمْ أي شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ أي الأباطيل وذلك ما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ يعني الموت وقيل هو إلقاؤهم في النار وهو قوله تعالى: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يعني الشيطان قال قتادة ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ أي عوض وبدل بأن تفدوا أنفسكم من العذاب وقيل معناه لا يقبل منكم إيمان ولا توبة وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني المشركين وإنما عطف الكفار على المنافقين وإن كان المنافق كافرا في الحقيقة لأن المنافق أبطن الكفر والكافر أظهره فصار غير المنافق فحسن عطفه على المنافق مَأْواكُمُ النَّارُ أي مصيركم، هِيَ مَوْلاكُمْ أي وليكم وقيل هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب والمعنى هي التي تلي عليكم لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها فهي أولى بكم من كل شيء وقيل معنى الآية لا مولى لكم ولا ناصر لأن من كانت النار مولاه فلا مولى له وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
[سورة الحديد (٥٧): الآيات ١٦ الى ١٨]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨)
قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ قيل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي ذات يوم حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزل نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فأخبرهم أن القرآن أحسن من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوه مثل ذلك فنزل اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الآية فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فسألوه فنزلت هذه الآية فعلى هذا القول يكون تأويل قوله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني في العلانية باللسان ولم يؤمنوا بالقلب، وقيل نزلت في المؤمنين وذلك أنهم لما قدموا المدينة أصابوا من لين العيش ورفاهيته ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزل في ذلك ألم يأن للذين آمنوا الآية قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه مسلم وقال ابن عباس إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال ألم يأن يعني أما حان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم أي ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله أي لمواعظ الله وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ يعني اليهود والنصارى، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي الزمان الذي بينهم وبين أنبيائهم فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ قال ابن عباس مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ القرآن والمعنى أن الله نهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر روي عن أبي موسى الأشعري أنه بعث إلى قراء البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا