مفتاح اسمه ناصر ونصير وقيل اسم للسورة وَالْقَلَمِ هو القلم الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويقال أول ما خلق الله القلم فنظر إليه فانشق نصفين ثم قال اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه وَما يَسْطُرُونَ أي وما يكتب الحفظة من أعمال بني آدم وقيل إن حملنا القلم على ذلك القلم المعين فيحتمل أن يكون المراد وما يسطرون فيه وهو اللوح المحفوظ ويكون الجمع في وما يسطرون للتعظيم لا للجمع.
[سورة القلم (٦٨): الآيات ٢ الى ٤]
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)
ما أَنْتَ يا محمد بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ هذا جواب القسم أقسم الله بنون والقلم وما يسطرون وما أنت بنعمة ربك بمجنون وهو رد لقولهم يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ والمعنى إنك لا تكون مجنونا قد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة فنفى عنه الجنون وقيل معناه ما أنت بمجنون والنعمة لله وهو كما يقال ما أنت بمجنون والحمد لله وقيل إن نعمة الله كانت ظاهرة عليه من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والأخلاق الحميدة والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة وإذا كانت هذه النعم محسوسة ظاهرة فوجودها ينفي حصول الجنون فنبه الله تعالى بهذه الآية على كونهم كاذبين في قولهم إنك لمجنون وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ أي غير منقوص ولا مقطوع ومنه قول لبيد:
عبس كواسب ما يمن طعامها أي ما يقطع يصف بذلك كلابا ضارية، وقيل في معنى الآية إنه غير مكدر عليك بسبب المنة والقول هو الأول ومعناه إن لك على احتمالك الطعن وصبرك على هذا القول القبيح وافترائهم عليك أجرا عظيما دائما لا ينقطع، وقيل إن لك على إظهار النبوة وتبليغ الرسالة ودعاء الخلق إلى الله تعالى والصبر على ذلك وبيان الشرائع لهم أجرا عظيما فلا تمنعك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا الأمر العظيم الذي قد حملته ثم وصفه بما يخالف حال المجنون فقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وهذا كالتفسير لقوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة عليه ومن كان كذلك لم تجز إضافة الجنون إليه ولما كانت أخلاق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كاملة حميدة وأفعاله المرضية الجميلة وافرة وصفها الله تعالى بأنها عظيمة وحقيقة الخلق قوى نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والآداب المرضية فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والبخل والتشديد في المعاملات ويستعمل في حسن الخلق التحبب إلى الناس بالقول والفعل والبذل وحسن الأدب والمعاشرة بالمعروف مع الأقارب والأجانب والتساهل في جميع الأمور والتسامح بما يلزم من الحقوق وترك التقاطع والتهاجر واحتمال الأذى من الأعلى والأدنى مع طلاقة الوجه وإدامة البشر فهذه الخصال تجمع جميع محاسن الأخلاق ومكارم الأفعال ولقد كان جميع ذلك في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولهذا وصفه الله تعالى بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وقال ابن عباس معناه على دين عظيم لا دين أحب إليّ ولا أرضى عندي منه وهو دين الإسلام وقال الحسن هو آداب القرآن سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت كان خلقه القرآن وقال قتادة هو ما كان يأتمر من أوامر الله وينتهي عنه من مناهي الله تعالى والمعنى وإنك لعلى الخلق الذي أمرك الله به في القرآن وقيل سمى الله خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل: في فضل حسن الخلق وما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) من ذلك ما روى جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال» (م) عن